يأمر الله أحدا بقول الحق على عدوه مع عداوة لا تحل ، فيكون تقريرا (١) للوصف ، وفيه أمر بالمعصية ؛ وذلك محال على الله سبحانه.
الآية الثامنة ـ قوله سبحانه (٢) : (وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً ، وَقالَ اللهُ : إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ).
فيها أربع مسائل :
المسألة الأولى ـ هذا خطاب أخبر به عن فعل موسى مع إسرائيل ، وبعثه النّقباء (٣) منهم إلى الأرض المقدسة ، ليختبروا حال من بها ، ويعلموه بما أطلعوه عليه فيها حتى ينظروا (٤) في الغزو إليها ؛ وشرع من قبلنا شرع لنا على ما بيناه في أصول الفقه وفي كتابنا هذا عند ما عرض منها ما يكون مثلها ، ولما كان أصل مالك ذلك ، وهو الصحيح ، ركّبنا عليه المسائل لكونه من واضحات الدلائل.
المسألة الثانية ـ في هذا دليل على أنه يقبل خبر الواحد فيما يفتقر إليه المرء ويحتاج إلى اطلاعه من حاجته الدينية والدنيوية ، فيركّب عليه الأحكام ، ويربط به الحلال والحرام.
وقد جاء أيضا مثله في الإسلام ، فقد روى أنّ وفد هوازن لما جاءوا تائبين إلى النبي صلى الله عليه وسلم كلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس ، وسألهم أن يتركوا نصيبهم لهم من السّبى ، فقالوا : قد طيبا ذلك يا رسول الله قال : ارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم ، واحدها عريف ، وهي :
المسألة الثالثة ـ وهو فعيل بمعنى فاعل ، أى يعرّف بما عند من كلف أن يعرف ما عنده.
ومن حديث وفد هوازن أن النبىّ صلى الله عليه وسلم خطب فقال : أما بعد فإنّ إخوانكم هؤلاء قد جاءوا تائبين ، وإنى رأيت أن أردّ عليهم سبيهم ، فمن أحبّ منكم أن يطيب بذلك فليفعل ، ومن أحبّ منكم أن يكون على حظّه حتى نعطيه من أول ما يفيء الله علينا فليفعل.
__________________
(١) في ل : تقديرا.
(٢) الآية الثانية عشرة.
(٣) النقيب : شاهد القوم وضمينهم. والنقباء : الأمناء على قومهم.
(٤) في القرطبي : حتى ينظر في الغزو إليهم.