وقال أبو حنيفة : تجب إزالة النجاسة إذا زادت على قدر الدرهم البغلى (١) ـ يريد الكبير الذي هو على هيئة المثقال ـ قياسا على فم المخرج المعتاد الذي عفى عنه ، وتوجيه ذلك وتفريعه في مسائل الخلاف وكتب الفروع.
والصحيح رواية ابن وهب. ولا حجة في ظاهر القرآن ؛ لأنّ الله سبحانه وتعالى إنما بيّن في آية الوضوء صفة الوضوء خاصة ، وللصلاة شروط : من استقبال الكعبة ، وستر العورة ، وإزالة النجاسة ، وبيان كل شرط منها في موضعه وسنتكلم على ذلك في موضعه (٢) إن شاء الله تعالى.
المسألة السابعة والأربعون ـ ذكر الله تعالى أعضاء الوضوء وترتيبها وأمر بغسلها معقبة ، فهل يلزم كلّ مكلف أن تكون مفعولة مجموعة في الفعل كجمعها في الذّكر ، أو يجزئ التفريق فيها؟
فقال في المدوّنة وكتاب محمد : إن التوالي (٣) ساقط ؛ وبه قال الشافعى.
وقال مالك وابن القاسم : إن فرّقه متعمدا لم يجزه ، ويجزيه ناسيا. وقال ابن وهب : لا يجزيه ناسيا ولا متعمّدا.
وقال مالك في رواية ابن حبيب : يجزيه في المغسول ولا يجزيه في الممسوح.
وقال ابن عبد الحكم : يجزيه ناسيا ومتعمّدا.
فهذه خمسة أقوال (٤) الأصل فيها أنّ الله سبحانه وتعالى أمر أمرا مطلقا فوال أو فرّق(٥) ، وليس لهذه المسألة متعلق بالفور إنما يتعلق بالفور الأمر بأصل الوضوء خاصة.
والأصل الثاني أنها عبادة ذات أركان مختلفة ، فوجب فيها التّوالى كالصلاة ، وبهذا نقول : إنه يلزم الموالاة مع الذكر والنسيان كالصلاة إلا أن يكون يسيرا ، هو معفوّ عنه.
وأما متعلّق الفرق بين الذكر والنسيان فإنّ التوالي صفة من صفات الطهارة ، فافترق فيها الذكر والنسيان ، كالترتيب. واعتبار صفة من صفات العبادة بصفة أولى من اعتبار عبادة بعبادة.
__________________
(١) ذكر الدميري ضربا من النقود يقال لها البغلية.
(٢) في ا : في موضعها.
(٣) في القرطبي : الموالاة ساقطة.
(٤) في القرطبي : ابتنيت على أصلين : الأول أن الله سبحانه.
(٥) في ا : فوالى وفرق.