الآية الموفية خمسين ـ قوله تعالى (١) : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ).
فيها ثلاث مسائل :
المسألة الأولى ـ قوله : (نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ) : فيه قولان :
أحدهما ـ إذا أنزلت سورة فيها فضيحتهم ، أو فضيحة أحد منهم جعل ينظر بعضهم إلى بعض ، يقول : هل يراكم من أحد إذا تكلّمتم بهذا فينقله إلى محمد؟ وذلك جهل منهم بنبوّته ، وأنّ الله يطلعه على ما شاء من غيبه.
الثاني ـ إذا أنزلت سورة فيها الأمر بالقتال نظر بعضهم إلى بعض نظر الرّعب ، وأرادوا القيام عنه ، لئلا يسمعوا ذلك ، يقولون : هل يراكم إذا انصرفتم من أحد؟ ثم يقومون وينصرفون ، صرف الله قلوبهم.
المسألة الثانية ـ قال ابن عباس : يكره أن يقال انصرفنا من الصلاة ؛ لأنّ قوما انصرفوا فصرف الله قلوبهم ولكن قولوا قضينا الصلاة.
وهذا كلام فيه نظر ، وما أظنّه يصحّ عنه ؛ فإن نظام الكلام أن يقال : لا يقل أحد انصرفنا من الصلاة ، فإنّ قوما قيل فيهم : ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم ، فإنّ ذلك كان مقولا فيهم ، ولم يكن منهم.
وقد أخبرنى محمد بن عبد الحكم البستي الواعظ ؛ قال : أخبرنا أبو الفضل الجوهري سماعا عليه ، يقول : كنّا في جنازة ، فقال المنذر بها : انصرفوا رحمكم الله فقال : لا يقل أحدكم انصرفوا ؛ فإن الله تعالى قال في قوم ذمّهم : (ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) ، ولكن قولوا : انقلبوا رحمكم الله ؛ فإن الله تعالى قال في قوم مدحهم (٢) : (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ).
المسألة الثالثة ـ قوله : (صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) إخبار عن أنه صارف القلوب ومصرّفها وقالبها ومقلّبها ردّا على القدرية في اعتقادهم أن قلوب الخلق بأيديهم وجوارحهم بحكمهم ،
__________________
(١) آية ١٢٧.
(٢) سورة آل عمران ، آية ١٧٤