وأنّ مقابله وهو التواتر لا ينحصر بعدد ، وقد بيناه في موضعه ، وهذه إشارته.
الآية الثامنة والأربعون ـ قوله تعالى (١) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ).
قد قدّمنا الإشارة إلى أنّ الله أمر بأوامر متعددة مختلفة المتعلقات ، فقال (٢) : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ). وقال (٣) : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ). وقال (٤) : (وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً). وقال (٥) : (قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ).
وهذا كلّه صحيح مناسب ، والمقصود قتال جميع المؤمنين لجميع الكفار ، وقتال الكفار أينما وجدوا ، وقتال أهل الكتاب من جملتهم ، وهم الروم ، وبعض الحبشان ، وذلك إنما يتكيّف لوجهين :
أحدهما ـ بالابتداء ممّن يلي ؛ فيقاتل كلّ واحد من يليه ، ويتفق أن يبدأ المسلمون كلّهم بالأهم ممن يليهم ، أو الذين يتيقّن الظفر بهم.
وقد سئل ابن عمر بمن نبدأ بالروم أو بالدّيلم؟ فقال : بالروم.
وقد روى في الأثر : اتركوا الرابضين ما تركوكم ؛ يعنى الروم والحبش. وقول ابن عمر أصحّ ، وبداءته بالروم قبل الدّيلم لثلاثة أوجه :
أحدها ـ أنهم أهل الكتاب ، فالحجة عليهم أكثر وآكد.
والثاني ـ أنهم إلينا أقرب ، أعنى أهل المدينة.
الثالث ـ أن بلاد الأنبياء في بلادهم أكثر ، فاستنقاذها منهم أوجب.
الآية التاسعة والأربعون ـ قوله تعالى (٦) : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ).
قد قدّمنا القول في زيادة الإيمان ونقصانه بما يغنى عن إعادته ، واستيفاؤه في كتب الأصول.
__________________
(١) آية ١٢٣.
(٢) آية ٢٩.
(٣) آية ٥.
(٤) آية ٣٦.
(٥) آية ١٢٣
(٦) آية ١٢٤