وقد قيل : إنه يخرج من القول الأول أنّ الخروج في طلب العلم لا يلزم الأعيان ، وإنما هو على الكفاية.
قال القاضي : إنما يقتضى ظاهر هذه الآية الحثّ على طلب العلم والندب إليه دون الإلزام والوجوب ، واستحباب الرحلة فيه وفضلها.
فأما الوجوب فليس في قوة الكلام ؛ وإنما لزم طلب العلم بأدلّته ؛ فأما معرفة الله فبأوامر القرآن وإجماع الأمة.
وأما معرفة الرسول فلوجوب الأمر بالتصديق به ، ولا يصحّ التصديق إلا بعد العلم.
وأما معرفة الوظائف فلانّ ما ثبت وجوبه ثبت وجوب العلم به لاستحالة أدائها إلا بعلم ، ثم ينشأ على هذا أنّ المزيد على الوظائف مما فيه القيام بوظائف الشريعة كتحصين الحقوق وإقامة الحدود ، والفصل بين الخصوم ونحوه من فروض الكفاية ؛ إذ لا يصحّ أن يعلمه جميع الناس ؛ فتضيع أحوالهم ، وأحوال سواهم ، وينقص أو يبطل معاشهم ؛ فتعيّن بين الحالين أن يقوم به البعض من غير تعيين ، وذلك بحسب ما ييسّر الله العباد له ، ويقسمه بينهم من رحمته وحكمته بسابق قدرته وكلمته ، ويأتى تحقيقه في موضعه إن شاء الله.
المسألة الثالثة ـ الطائفة في اللغة : الجماعة. قيل : وينطلق على الواحد على معنى نفس طائفة. والأول أصح وأشهر ؛ فإنّ الهاء في مثل هذا إنما هي للكثرة ، كما يقال راوية ، وإن كان يأتى بغيره.
ولا شك أنّ المراد هاهنا جماعة لوجهين :
أحدهما ـ عقلا ، والآخر لغة :
أما العقل فلأنّ تحصيل العلم لا يتحصّل بواحد في الغالب.
وأما اللغة فلقوله : ليتفقّهوا ولينذروا ؛ فجاء بضمير الجماعة.
والقاضي أبو بكر ، والشيخ أبو الحسن قبله ، يرون أنّ الطائفة هاهنا واحد.
ويعتضدون فيه بالدليل على وجوب العمل بخبر الواحد. وهو صحيح ؛ لا من جهة أنّ الطائفة تنطلق على الواحد ، ولكن من جهة أنّ خبر الشخص الواحد أو الأشخاص خبر واحد ،