الآية السابعة والأربعون ـ قوله تعالى (١) : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ).
فيها ثلاث مسائل :
المسألة الأولى ـ في سبب نزولها (٢) :
وفيها أقوال كثيرة جماعها أربعة :
الأول ـ أنها نزلت في قوم أرسلهم النبىّ صلى الله عليه وسلم ليعلّموا الناس القرآن والإسلام ، فلما نزل ما كان لأهل المدينة رجع أولئك فأنزل الله عذرهم ؛ قاله مجاهد. وقال : هلّا جاء بعضهم وبقي على التعليم البعض.
الثاني ـ قال ابن عباس : معناه ما كان المؤمنون لينفروا جميعا ، ويتركوا نبيّهم ، ولكن يخرج بعضهم ، ويبقى البعض فيما ينزل من القرآن ، ويجرى من العلم والأحكام ، يعلّمه المتخلّف للسارى عند رجوعه ، وقاله قتادة.
الثالث ـ قال ابن عباس أيضا : إنها نزلت في الجهاد ، ولكن لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مضر بالسنين أجدبت بلادهم ، فكانت القبيلة منهم تقبل بأسرها حتى يحلّوا بالمدينة من الجهد ، ويعتلّوا بالإسلام وهم كاذبون ، فضيّقوا على أصحاب النبىّ صلى الله عليه وسلم وأجهدوهم ، فأنزل الله يخبر رسوله أنهم ليسوا بمؤمنين ، فردهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عشائرهم ، وحذّر قومهم أن يفعلوا فعلهم ، فذلك قوله : (وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ ...) الآية.
الرابع ـ روى عن ابن عباس أنه قال : نسختها (٣) : (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً).
المسألة الثانية ـ في تحرير الأقوال :
أما نسخ بعض هذه لبعض فيفتقر إلى معرفة التاريخ فيها.
وأما الظاهر فنسخ الاستنفار العام ؛ لأنه الطارئ ؛ فإنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم كان يغزو في فئام (٤) من الناس ، ولم يستوف قط جميع الناس ، إلا في غزوة العسرة.
__________________
(١) آية ١٢٢.
(٢) أسباب النزول ١٥٢ ، وابن كثير : ٢ ـ ٤٠١.
(٣) آية ٤١
(٤) فئام : جماعة.