المسألة الأولى ـ قوله تعالى : (ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ) : أى ما كان لهؤلاء المذكورين أن يتخلّفوا ـ دليل على أنّ غيرهم لم يستنفروا ، وإنما كان النفير منهم في قول بعضهم ، ويحتمل أن يكون الاستنفار في كلّ مسلم ، وخصّ هؤلاء بالعتاب لقربهم وجوارهم ، وأنهم أحقّ بذلك من غيرهم.
المسألة الثانية ـ قوله تعالى : (وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ) دليل عند علمائنا على أنّ الغنيمة تستحقّ بالإدراب (١) والكون في بلاد العدوّ ؛ فإن مات بعد ذلك فله سهمه ؛ وهو قول أشهب ، وعبد الملك ، وأحد قولي الشافعى.
وقال مالك ، وابن القاسم : لا شيء له ؛ لأنّ الله إنما كتب له بالآخرة ، ولم يذكر السهم. وهو الصحيح ، وقد بيناها في مسائل الخلاف.
المسألة الثالثة ـ قوله : (وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً ، وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ) : يعنى كتب لهم ثوابه.
وكذلك قال في المجاهد : إنّ أرواث دوابّه وأبوالها حسنات ، ورعيها حسنات ، وقد زادنا الله تعالى من فضله.
ففي الصحيح أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال في هذه الغزوة بعينها : إنّ بالمدينة قوما ما سلكتم واديا ، ولا قطعتم شعبا إلا وهم معكم ، حبسهم العذر ، فأعطى للمعذور من الأجر ما أعطى للقوىّ العامل بفضله.
وقد قال بعض الناس : إنما يكون له الأجر غير مضاعف ، ويضاعف للعامل المباشر.
وهذا تحكّم على الله ، وتضييق لسعة رحمته ؛ وقد بيناه في شرح الصحيحين.
ولذلك قد راب بعض الناس فيه ، فقال : أنتم تعطون الثواب مضاعفا قطعا ، ونحن لا نقطع بالتضعيف في موضع ؛ فإنه مبنيّ على مقدار النيات ، وهو أمر مغيب ، والذي يقطع به أنّ هنالك تضعيفا ، وربّك أعلم بمن يستحقّه ، وهذا كلّه وصف العاملين المجاهدين ، وحال القاعدين التائبين ، ولما ذكر المتخلّفين المعتذرين بالباطل قال كعب بن مالك : ذكروا في بشر ما ذكر به أحد ، فقال (٢) : (يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ ...) الآية.
__________________
(١) أدرب القوم : إذا دخلوا أرض العدو.
(٢) آية ٩٤ من السورة.