والاستغفار لهم حسنة ؛ وفي هذا ردّ على القدرية ؛ لأنهم لا يرون الصلاة على العصاة ، ولا يجوز عندهم أن يغفر الله لهم ؛ فلم يصلّ عليهم ، وهذا ما لا جواب لهم عنه.
الآية الثالثة والأربعون ـ قوله تعالى (١) : (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ، ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ).
فيها خمس مسائل :
المسألة الأولى ـ توبة الله على النبىّ ردّه من حالة الغفلة إلى حالة الذّكر ، وتوبة المهاجرين والأنصار رجوعهم من حالة المعصية إلى حالة الطاعة ، وانتقالهم من حالة الكسل إلى حالة النشاط ، وخروجهم عن صفة الإقامة والقعود إلى حالة السفر والجهاد.
المسألة الثانية ـ وتوبة الله تكون على ثلاثة أقسام :
دعاؤه إلى التوبة ، يقال : تاب الله على فلان ، أى دعاه ، ويقال : تاب الله عليه : يسّره للتوبة ، وقد يكون خبرا ، وقد يكون دعاء ، ويقال : تاب عليه : ثبّته عليها ، ويقال : تاب عليه : قبل توبته ؛ وذلك كلّه صحيح ، وقد جمع لهؤلاء ذلك كله ، ويفترق في سائر الناس ؛ فمنهم من يدعوه إلى التوبة لإقامة الحجة عليه ولا ييسّرها له ، ومنهم من يدعوه إليها وييسّرها ولا يديمها ، فإن دامت إلى الموت فهي مقبولة قطعا.
المسألة الثالثة ـ قوله : (فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ) :
يعنى جيش تبوك ؛ خرج الناس إليها في جهد وحرّ ورجلة (٢) وعرى وحفاء ، حتى لقد روى في قوله (٣) : (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) (٤). (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ) : أنهم طلبوا نعالا.
وفي الحديث : لا يزال الرجل راكبا ما انتعل.
المسألة الرابعة ـ قوله : (مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ ، فَرِيقٍ مِنْهُمْ) :
أما هذا فليس للنبىّ فيه مدخل باتفاق من الموحدين ، أما أنه قد قيل : إنه يدخل في التوبة
__________________
(١) آية ١١٧.
(٢) رجل ـ كفرح : إذا لم يكن له ظهر يركبه ، وجمعه رجلة.
(٣) آية ٩١
(٤) آية ٩٢