من إذنه للمنافقين في التخلف فعذره الله في إذنه لهم ، وتاب عليه وعذره ، وبيّن للمؤمنين صواب فعله بقوله (١) : (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالاً ....) إلى : (الْفِتْنَةَ).
وأما غير النبي فكاد تزيغ قلوب فريق منهم ببقائهم بعده ، كأبى حثمة وغيره ، بإرادتهم الرجوع من الطريق حين أصابهم الجهد ، واشتدّ عليهم العطش ، حتى نحروا إبلهم ، وعصروا كروشها ، فاستسقى رسول الله ، فنزل المطر ؛ ولهذا جاز للإمام ـ وهي :
المسألة الخامسة ـ أن يأذن لمن اعتذر إليه أخذا بظاهر الحال ، ورفقا بالخلق ، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.
الآية الرابعة والأربعون ـ قوله تعالى (٢) : (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).
فيها أربع مسائل :
المسألة الأولى ـ قال ابن وهب : قال مالك : إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في غزوة تبوك حين طابت الثمار ، وبرد الظّلال ، وخرج في حرّ شديد ، وهي العسرة التي افتضح فيها الناس ، وكان كعب بن مالك قد تخلّف ، ورجل من عمرو بن عوف ، وآخر من بنى واقد. وخرج رجل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يسقى وديّا له (٣) ، فقيل له : كيف لك بسقى وديّك هذا! فقال : الغزو خير من الودىّ ، فرجع ، وقد أصلح الله وديّة ، فلما رجع رسول الله وأصحابه هجروا كعبا وصاحبيه ، ولم يعتذروا للنبىّ صلى الله عليه وسلم ، واعتذر غيرهم. قال : فأقام كعب وصاحباه لم يكلّمهم أحد ، وكان كعب يدخل على الرجل في الحائط ، فيقول له : أنشدك الله ، أتعلم أتى أحبّ الله ورسوله؟ فيقول : الله ورسوله أعلم.
المسألة الثانية ـ هؤلاء الثلاثة هم : كعب بن مالك ، ومرارة بن الربيع (٤) ، وهلال ابن أمية. كما تقدم.
__________________
(١) آية ٤٧ ـ ٤٩.
(٢) آية ١١٨.
(٣) الودي ـ كغنى : صغار الفسيل : الواحدة ودية كغنية (القاموسى).
(٤) في القرطبي : بن ربيعة.