المسألة الرابعة ـ قوله : (وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى) :
بيان أن القرابة الموجبة للشفقة جبلّة ، وللصلة مروءة تمنع من سؤال المغفرة بعد ما تبيّن لهم أنهم من أهل النار.
قال القاضي الإمام : هذا إن صحّ الخبر ، وإلّا فالصحيح فيه أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم ذكر نبيّا قبله شجّه قومه ، فجعل النبىّ صلى الله عليه وسلم يخبر عنه بأنه قال : اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون. خرجه البخاري وغيره.
المسألة الخامسة ـ قال الله تعالى مخبرا عن إبراهيم (١) : (سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا) ، فتعلّق بذلك النبىّ في الاستغفار لأبى طالب ، إما اعتقادا ، وإما نطقا بذلك ، كما ورد في الرواية الثانية ؛ فأخبره الله أنّ استغفار إبراهيم لأبيه كان عن وعد قبل تبيّن الكفر منه ؛ فلما تبيّن الكفر منه تبرأ منه ، فكيف تستغفر أنت يا محمد لعمّك ، وقد شاهدت موته كافرا؟ وهي :
المسألة السادسة ـ وظاهر حال المرء عند الموت يحكم عليه به (٢) في الباطن ، فإن مات على الإيمان حكم له بالإيمان ، وإن مات على الكفر حكم له بالكفر ، وربّك أعلم بباطن حاله ، بيد أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم قال له العباس : يا رسول الله ؛ هل نفعت عمّك بشيء ، فإنه كان يحوطك ويحميك؟ قال : سألت ربي له ، فجعله في ضحضاح (٣) من النار تغلى منه دماغه ، ولو لا أنا لكان في الدّرك الأسفل. وهذه شفاعة في تخفيف العذاب ، وهي الشفاعة الثانية ، وهذا هو أحد القولين في قوله : فلما تبيّن له أنه عدوّ لله ـ يعنى بموته كافرا ـ تبرّأ منه.
وقيل : تبيّن له في الآخرة. والأول أظهر.
وقد قال عطاء : ما كنت لامتنع من الصلاة على أمة حبلى حبشيّة من الزنا ، فإنى رأيت الله لم يحجب الصلاة إلّا عن المشركين ، فقال : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ).
وصدق عطاء ؛ لأنه تبيّن من ذلك أنّ المغفرة جائزة لكلّ مذنب ؛ فالصلاة عليهم ،
__________________
(١) سورة مريم ، آية ٤٧.
(٢) في القرطبي : بها.
(٣) الضحضاح في الأصل : ما رق من الماء على وجه الأرض ما يبلغ الكعبين ، فاستعاره للنار (النهاية).