الرابعة ـ روى ابن عباس أنّ رجالا من أصحاب النبىّ صلى الله عليه وسلم قالوا له : يا رسول الله ؛ إنّ من آبائنا من كان يحسن الجوار ، ويصل الأرحام ، أفلا نستغفر لهم؟ فأنزل الله : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ ....) الآية.
الخامسة ـ روى عن عليّ قال : سمعت رجلا يستغفر لأبويه ، فقلت : تستغفر لهما ، وهما مشركان؟ فقال : أو لم يستغفر إبراهيم لأبيه! فذكرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ ...) الآية. وهذه أضعف الروايات.
المسألة الثانية ـ قوله تعالى : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا) :
دليل على أحد أمرين : إما أن تكون الرواية الثانية صحيحة ، فنهى الله النبي والمؤمنين. إما أن تكون الرواية الأولى هي الصحيحة ويخبر به عما فعل النبىّ ، وينهى المؤمنون أن يفعلوا مثله ، تأكيدا للخبر ؛ وسائر الروايات محتملات.
المسألة الثالثة ـ منع الله رسوله والمؤمنين من طلب المغفرة للمشركين ؛ لأنه قد قدّر ألّا تكون ؛ وأخبر عن ذلك ، وسؤال ما قدّر أنه لا يفعله ، وأخبر عنه هنا.
فإن قيل : فقد قال النبىّ صلى الله عليه وسلم ـ حين كسروا رباعيته ، وشجّوا وجهه: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.
فسأل المغفرة لهم.
قلنا : عنه أربعة أجوبة :
الأول ـ يحتمل ، أن يكون ذلك قبل النهى ، وجاء النهى بعده.
الثاني ـ أنه يحتمل أن يكون ذلك سؤالا في إسقاط حقّه عندهم ، لا لسؤال إسقاط حقوق الله ، وللمرء أن يسقط حقّه عند المسلم والكافر.
الثالث ـ أنه يحتمل أن يطلب المغفرة لهم ؛ لأنهم أحياء ، مرجوّا إيمانهم ، يمكن نألّفهم بالقول الجميل ، وترغيبهم في الدين بالعفو عنهم. فأما من مات فقد انقطع منه الرجاء.
الرابع ـ أنه يحتمل أن يطلب لهم المغفرة في الدنيا برفع العقوبة عنهم حتى إلى الآخرة ، كما قال الله (١) : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ، وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).
__________________
(١) سورة الأنفال ، آية ٣٣