الآية الثانية والأربعون ـ قوله تعالى (١) : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ. وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ).
فيها ست مسائل :
المسألة الأولى ـ في سبب نزولها (٢) :
وفي ذلك خمس روايات :
الأولى ـ ثبت في الصحيح ، عن سعيد بن المسيّب ، عن أبيه ، قال : لما حضر أبا طالب الوفاة دخل على النبىّ صلى الله عليه وسلم ، وعنده أبو جهل ، وعبد الله بن أبى أميّة فقال : يا عمّ ؛ قل لا إله إلا الله كلمة أحاجّ لك بها عند الله. فقال له أبو جهل ، وعبد الله بن أبى أمية : أترغب عن ملّة عبد المطلب؟ فلم يزالا يكلّمانه حتى قال آخر شيء تكلم به: أنا على ملّة عبد المطلب. فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم : لأستغفرنّ لك ما لم أنه عنك. فنزلت : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ...) الآية ، ونزلت (٣) : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ).
الثاني ـ روى عن عمرو بن دينار أن النبىّ صلى الله عليه وسلم قال : استغفر إبراهيم لأبيه ، وهو مشرك ، فلا أزال أستغفر لأبى طالب حتى ينهاني عنه ربي. فقال أصحابه : لنستغفرنّ لآبائنا كما استغفر النبىّ لعمه ، فأنزل الله : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا ...) إلى : (تَبَرَّأَ مِنْهُ).
الثالثة ـ روى أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم لما أتى مكة أتى رضما (٤) من حجارة أو رسما أو قبرا ، فجلس إليه ، ثم قام مستغفرا. فقال : إنى استأذنت ربي في زيارة قبر أمى ، فأذن لي ، واستأذنته في الاستغفار لها ، فلم يأذن لي ، فما رئي باكيا أكثر من يومئذ.
وروى أنه وقف عند قبرها حتى سخنت عليه الشمس رجاء أن يؤذن له فيستغفر لها ، حتى نزلت : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ ...) إلى قوله : (تَبَرَّأَ مِنْهُ).
__________________
(١) آية ١١٣ ، ١١٤.
(٢) أسباب النزول : ١٥٠.
(٣) سورة القصص ، آية ٥٦
(٤) الرضم : بالسكون ـ ويحرك : صخور عظام يرضم بعضها فوق بعض في الأبنية. (القاموس).