المسألة الخامسة ـ قال : (وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ) :
العهد يتضمّن الوفاء والوعد والوعيد ، ولا بدّ من وفاء الباري تعالى بالكل ، فأما وعده فللجميع ، وأما وعيده فمخصوص ببعض المذنبين وببعض الذنوب ، وفي بعض الأحوال ، فينفذ كذلك. وقد فات علماءنا هذا المقدار على ما بيناه في كتب الأصول.
المسألة السادسة ـ قوله : (التَّائِبُونَ) :
الراجعون عن الحالة المدمومة في معصية الله إلى [الحالة] (١) المحمودة في طاعة الله.
والعابدون هم الذين قصدوا بطاعتهم وجهه.
والحامدون هم الراضون بقضائه ، والمصرفون نعمته في طاعته.
والسائحون هم الصائمون في هذه الملّة ، حتى فسد الزمان فصارت السياحة الخروج من الأرض عن الخلق ، لعموم الفساد وغلبة الحرام ، وظهور المنكر ، ولو وسعتنى الأرض لخرجت فيها ، لكنّ الفساد قد غلب عليها ، ففي كل واد بنو نحس ، فعليك بخويصّة نفسك ودع أمر العامة.
الراكعون الساجدون هم القائمون بالفرض من الصلاة ، الآمرون بالمعروف ، والناهون عن المنكر ، المغيّرون للشرك فما دونه من المعاصي ، والآمرون بالإيمان فما دونه من الطاعات على ما تقدّم من شروطه.
الحافظون لحدود الله : خاتمة البيان وعموم الاشتمال لكلّ أمر ونهى.
وقوله. (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) بثوابى إذا كانوا على هذه الصفة ، ثم بذلوا أنفسهم في طاعتي للقتل ؛ فحينئذ تكون سلعة مرغوبا فيها تمتدّ إليها الأطماع ، وتدخل في جملة التجارات والمتاع ، فأما نفس لا تكون هكذا ، ولا تتحلّى بهذه الحلي فلا يبذل فيها فلس ، فكيف الجنة؟ لكن من معه أصل الإيمان فهو مبشّر على قدره بعدم الخلود في النار ، ومن استوفى هذه الصفات فله الفوز قطعا ، ومن خلط فلا يقنط ولا يأمن ، وليمس تائبا ، ويصبح تائبا ، فإن لم يقدر فسائلا للتوبة ، فإنّ سؤالها درجة عظيمة ، حتى يمنّ الله بحصولها. فهذه سبع مسائل تمام اثنتي عشرة في الآية. والله أعلم.
__________________
(١) من القرطبي.