المسألة الأولى ـ قوله تعالى : (أَبَداً) :
ظرف زمان ، وظروف الزمان على قسمين : ظرف مقدّر كاليوم والليلة ، وظرف مبهم على لغتهم ، ومطلق على لغتنا ؛ كالحين والوقت. والأبد من هذا القسم ، وكذلك الدهر ، وقد بيناه في المشكان ، وشرح الصحيحين ، وملجئة المتفقهين ، بيد أنّا نشير فيه هاهنا إلى نكتة من تلك الجمل ، وهي أن «أبدا» وإن كان ظرفا مبهما لا عموم فيه ، ولكنه إذا اتّصل بالنّهى (١) أفاد العموم ، لا من جهة مقتضاه ، ولكن من جهة النهى ؛ فإنه لو قال : لا تقم فيه لكفى في الانكفاف المطلق ، فإذا قال «أبدا» فكأنه قال : لا تقم في وقت من الأوقات ، ولا في حين من الأحيان ، وقد فهم ذلك أهل اللسان ، وقضى به فقهاء الإسلام ، فقالوا : لو قال رجل لامرأته : أنت طالق أبدا طلقت طلقة واحدة.
المسألة الثانية ـ قوله تعالى : (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى) :
اختلف فيه ، فقيل : هو مسجد قباء ؛ يروى عن جماعة ـ منهم ابن عباس ، والحسن. وتعلقوا بقوله : (مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ) ، ومسجد قباء كان في أول يوم أسّس بالمدينة.
وقيل : هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ قاله ابن عمر ، وابن المسيب.
وقال ابن وهب ، عن مالك وأشهب عنه ، قال مالك : المسجد الذي ذكر الله أنه أسّس على التقوى من أول يوم أحقّ أن تقوم فيه ـ هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ إذ كان يقوم رسول الله ويأتيه أولئك من هنالك. وقال الله تعالى (٢) : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً) هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزع مالك باستواء اللفظين ؛ فإنه قال في ذلك تقوم فيه وقال في هذا قائما ، فكانا واحدا ، وهذه نزعة غريبة ، وكذلك روى عنه ابن القاسم أنه مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد روى الترمذىّ (٣) ، عن أبى سعيد الخدري ، قال : تمارى (٤) رجلان في المسجد الذي أسّس على التقوى من أول يوم ؛ فقال رجل : هو مسجد قباء ؛ وقال آخر : هو مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هو مسجدى هذا.
قال أبو عيسى : هذا حديث صحيح ، وجزم مسلم أيضا بمثله.
__________________
(١) في القرطبي : إذا اتصل بلا النافية.
(٢) سورة الجمعة ، آية ١١.
(٣) والقرطبي : ٨ ـ ٢٥٩
(٤) تماروا : اختلفوا وتنازعوا.