فإن قيل ، وهي :
المسألة الثالثة ـ فقوله : (فِيهِ ، فِيهِ) :
ضميران يرجعان إلى مضمر واحد بغير نزاع ، وضمير الظرف الذي يقتضى الرجال المتطهّرين هو مسجد قباء ؛ فذلك الذي أسّس على التقوى ، وهو مسجد قباء.
والدليل على أنّ ضمير الرجال المتطهّرين هو ضمير مسجد قباء حديث أبى هريرة ، قال : نزلت هذه الآية في أهل قباء : (فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا ...) الآية. قال : كانوا يستنجون بالماء ، فنزلت هذه الآية فيهم.
وقال قتادة : لما نزلت هذه الآية قال النبىّ صلى الله عليه وسلم لأهل قباء : إنّ الله قد أحسن عليكم الثناء في الطهور (١) ؛ فما تصنعون؟ فقالوا : إنا نغسل أثر الغائط والبول بالماء.
قلنا : هذا حديث لم يصحّ. والصحيح هو الأول.
وقد اختلف في الطهارة المثنى بها على أقوال لا تعلّق لها بما نحن فيه ، كالتطهر بالتوبة من وطء النساء في أدبارهنّ وشبهه.
فأما قوله : (مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ) فإنما معناه أنه أسّس على التقوى من أول مبتدأ تأسيسه ؛ أى لم يشرع فيه ، ولا وضع حجر على حجر منه إلا على اعتقاد التقوى.
والذين كانوا يتطهّرون ، وأثنى الله عليهم جملة من الصحابة كانوا يحتاطون على العبادة والنّظافة ، فيمسحون من الغائط والبول بالحجارة تنظيفا لأعضائهم ، ويغتسلون بالماء تماما لعبادتهم ، وكمالا لطاعتهم.
المسألة الرابعة ـ هذا ثناء من الله تعالى على من أحبّ الطهارة ، وآثر النظافة ، وهي مروءة آدمية ، ووظيفة شرعية روى (٢) الترمذىّ وصحّحه عن عائشة رضوان الله عليهما أنها قالت : مرن أزواجكن أن يستطيبوا بالماء فإنى أستحييهم (٣).
وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحمل معه الماء في الاستنجاء ، فكان يستعمل الحجارة تخفيفا ، والماء تطهيرا ، واللازم في نجاسة المخرج التخفيف ، وفي نجاسة
__________________
(١) في القرطبي : التطهر.
(٢) الترمذي : ١ ـ ٣١.
(٣) بقيته في الترمذي : فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله.