وهذا مدح يتميّز به الفاضل من الناقص والمحقّ من المبطل ، ثم ذكر السابقين الأوّلين من المهاجرين والأنصار ، ثم قال (١) : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ). وقال (٢) : (وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ) ؛ أى استمرّوا عليه وتحقّقوا به.
وقال : وآخرون ـ يعنى على التوسط ـ خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ، ثم قال(٣):(وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ) ، وهم نحو من سبعة ، منهم أبو لبابة ، وكعب ، ومرارة ، وهلال ، جعلهم تحت المشيئة ورجأهم بالتوبة ، مشيرا إلى المغفرة والرحمة ، ثم قال (٤): (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً). أسقط ابن عامر ونافع منهما الواو ، كأنه ردّه إلى من هو أهل ممن تقدم ذكره ، وزاد غيرهما الواو ، كأنه جعلهم صنفا آخر.
وقد قيل : إنّ إسقاط الواو تجعله مبتدأ ، وليس كذلك ؛ بل هو لما تقدم وصف ، ولن يحتاج إلى إضمار ، وقد مهدناه في الملجئة.
المسألة الثانية ـ في سبب نزول الآية :
روى (٥) أن اثنى عشر رجلا من المنافقين كلّهم ينتمون إلى الأنصار بنى عمرو بن عوف بنوا مسجدا ضرارا بمسجد قباء ، وجاءوا إلى النبىّ صلى الله عليه وسلم وهو خارج إلى تبوك ، فقالوا : يا رسول الله ، قد بنينا مسجد الذي العلّة والحاجة والليلة المطيرة ، وإنا نحبّ أن تأتينا وتصلى فيه لنا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنى على جناح سفر وشغل ، ولو قدمنا إن شاء الله أتيناكم فصلّينا لكم فيه.
فلما نزل النبىّ صلى الله عليه وسلم بقرب المدينة راجعا من سفره أرسل قوما لهدمه ، فهدم وأحرق.
المسألة الثالثة ـ قوله تعالى : (ضِراراً) : قال المفسرون : ضرارا بالمسجد ، وليس للمسجد ضرار ، إنما هو ضرار لأهله.
المسألة الرابعة ـ قوله : (وَكُفْراً) : لمّا اتخذوا المسجد ضرارا لاعتقادهم أنه لا حرمة لمسجد قباء ولا لمسجد النبىّ صلى الله عليه وسلم كفروا بهذا الاعتقاد.
__________________
(١ ـ ٢) سورة التوبة ، آية ١٠١.
(٣) آية ١٠٦.
(٤) آية ١٠٧ ، وهي الآية التي يتكلم فيها.
(٥) أسباب النزول : ١٤٩