وقال الشافعىّ وأبو حنيفة : يلزمه إخراج الكل ، وتعلّق مالك بقصد أبى لبابة في أن ردّه إليه من الجميع إلى الثلث ، وهذا كان قويا لولا أنه قال لكعب بن مالك : أمسك عليك بعض مالك من غير تحديد ، وهو أصحّ من حديث أبى لبابة.
وقد ناقض علماؤنا ؛ فقالوا : إنه إذا كان ماله معينا دابة أو دارا أو ضيعة فتصدّق بجميعها مضى ، وهذه صدقة بالكل ، فتخمش وجه المسألة ، ولم يتبلج منه وضح ، وقد أشرنا إليها في مسائل الخلاف ، والحقّ يعود صدقة الكلّ عليه ، والله أعلم.
الآية السابعة والثلاثون ـ قوله تعالى (١) : (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).
هذه الآية نصّ صريح في أن الله هو الآخذ للصدقات ، وأنّ الحقّ لله ، والنبىّ واسطة ، فإن توفى فعامله هو الواسطة ، والله حىّ لا يموت ، فلا يبطل حقّه كما قالت المرتدة.
وفي الحديث الصحيح (٢) : إن الصدقة لتقع في كفّ الرحمن قبل أن تقع في كفّ السائل فيربّيها كما يربّى أحدكم فلوّه أو فصيله (٣) ، والله يضاعف لمن يشاء.
وكنى بكفّ الرحمن عن القبول ؛ إذ كلّ قابل لشيء يأخذه بكفّه ، أو يوضع له فيه ، كما كنى بنفسه عن المريض تعطّفا عليه بقوله : يقول الله عبدى مرضت فلم تعدني ، حسبما تقدّم بيانه.
الآية الثامنة والثلاثون ـ قوله تعالى (٤) : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ. وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ).
فيها ست مسائل :
المسألة الأولى ـ ذمّ الله تعالى المنافقين والمقصّرين في هذه السورة في آيات جملة ، ثم طبقهم طبقات عموما وخصوصا ، فقال (٥) : (الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً). وقال (٦) : (وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً). (وَمِنَ (٧) الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ) ؛
__________________
(١) آية ١٠٤.
(٢) صحيح مسلم : ٢ ـ ٧٠٢.
(٣) الفلو : ولد الفرس. والفصيل : ولد الناقة إذا فصل من إرضاع أمه وفي مسلم : أو قلوصه. والقلوص : الناقة الفتية.
(٤) آية ١٠٧.
(٥) آية ٩٧.
(٦) آية ٩٨.
(٧) آية ٩٩.