يا رسول الله ، إن من توبتي أن أتصدّق بمالي ، وأهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يجزيك الثلث.
وكذلك قال كعب بن مالك : يا رسول الله ؛ إنّ من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسوله. قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمسك بعض مالك ، فهو خير لك. قال : فإنى أمسك سهمي الذي بخيبر ، ولا نعلم هل هو بقدر ثلث ماله أو أكثر من ذلك أو أقل. قال الفقيه الإمام : وهذه الأقوال الثلاثة في معنى الصدقة محتملة. والأظهر أنها صدقة الفرض ؛ لأن التعلّق لا يكون إلا بدليل يبيّن أن هذا مرتبط بما قبله متعلّق به ما بعده.
المسألة الخامسة ـ قال أشهب : قال مالك في قوله (١) : (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
نزلت في شأن أبى لبابة بن عبد المنذر ؛ قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أصابه الذنب : يا رسول الله ؛ أجاورك ، وأنخلع من مالي. فقال : يجزئك من ذلك الثلث. وقد قال الله تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها).
وروى ابن وهب ، وابن القاسم ، عنه ، نحوه.
وروى الزّبير بن بكّار ، عن عبد الله بن أبى بكر ، قال : ارتبط أبو لبابة إلى جذع من جذوع المسجد بسلسلة بضع عشرة ليلة ، فكانت ابنته تأتيه عند كل صلاة فتحلّه فيتوضأ ، وهي الأسطوان المخلق نحو من ثلثها يدعى أسطوان التوبة ، ومنها حلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا لبابة حين نزلت توبته ، وبينها وبين القبر أسطوان ، وكان مالك يقول : الجدار من المشرق في حدّ القناديل التي بين الأساطين التي في صفها أسطوان التوبة وبين الأساطين التي تلى القبر.
وهذا غريب من رواية الزبير عن مالك ، وجميع الروايات نصّ عن مالك في أنّ الآية نزلت في ذلك.
المسألة السادسة ـ قال مالك رضى الله عنه : إذا تصدّق الرجل بجميع ماله أجزأه إخراج الثلث.
__________________
(١) آية ١٠٢.