الشهادة عندهم ووجودها عند البدويين ريبة تقتضي التّهمة ، وتوجب الردّ ، وعن هذا قال علماؤنا : إنّ شهادتهم عليهم فيما يكون بينهم كالجراح ونحوها ممالا يكون في الحضر ـ ماضية.
وقال أبو حنيفة : تجوز شهادة البدوىّ على الحضري ؛ لأنه لا يراعى كلّ تهمة ؛ ألا تراه يقبل شهادة العدو على عدوه.
وقد بينا ذلك في مسائل الخلاف ، فلينظره هنالك من أراد استيفاءه.
الآية السادسة والثلاثون ـ قوله تعالى (١) : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
فيها ست مسائل :
المسألة الأولى ـ قوله : (خُذْ) :
هو خطاب للنبىّ صلى الله عليه وسلم ، فيقتضى بظاهره اقتصاره عليه ، فلا يأخذ الصدقة سواه ، ويلزم على هذا سقوطها بسقوطه ، وزوال تكليفها بموته ، وبهذا تعلق مانعو الزكاة على أبى بكر الصديق ، وقالوا عليه : إنه كان يعطينا عوضا عنها التطهير ، والتزكية لنا ، والصلاة علينا ، وقد عدمناها من غيره ، ونظم في ذلك شاعرهم فقال (٢) :
أطعنا رسول الله ما كان بيننا |
|
فيا عجبا ما بال ملك أبى بكر |
وإن الذي سألوكم فمنعتم |
|
لكالتّمر أو أحلى لديهم من التمر |
سنمنعهم مادام فينا بقيّة |
|
كرام على الضّرّاء في العسر واليسر |
وهذا صنف من القائمين على أبى بكر أمثلهم طريقة ، وغيرهم كفر بالله من غير تأويل ، وأنكر النبوة ، وساعد مسيلمة ، وأنكر وجوب الصلاة والزكاة.
وفي هذا الصنف الذي أقرّ بالصلاة ، وأنكر الزكاة وقعت الشبهة لعمر حين خالف أبا بكر في قتالهم ، وأشار عليه بقبول الصلاة منهم وترك الزكاة ، حتى يتمهّد الأمر ، ويظهر حزب الله ، وتسكن سورة الخلاف ؛ فشرح الله صدر أبى بكر للحق ، وقال : والله لأقاتلنّ من فرّق بين الصلاة والزكاة ؛ فإن الزكاة حقّ في المال ، والله لو منعونى عقالا كانوا يؤدّونه إلى رسول الله لقاتلتهم عليه.
__________________
(١) آية ١٠٣.
(٢) والقرطبي : ٨ ـ ٢٤٤