قال عمر : فو الله ما هو إلا أن شرح الله صدر أبى بكر للقتال ، فعرفت أنه الحق.
وبهذا اعترضت الرافضة على الصدّيق ، فقالوا : عجل في أمره ، ونبذ السياسة وراء ظهره ، وأراق الدماء.
قلنا : بل جعل كتاب الله بين عينيه ، وهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه ، والقرآن يستنير به ، والسياسة تمهّد سبلها ؛ فإنه قال : والله لأقاتلنّ من فرّق بين الصلاة والزكاة. وصدق الصدّيق ، فإنّ الله يقول (١) (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ) ؛ فشرطهما ، وحقّق العصمة بهما ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا منّى دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله.
فقال أبو بكر لعمر ـ حين تعلّق بهذا الحديث : فقد قال النبىّ صلى الله عليه وسلم: إلّا بحقها. والزكاة حقّ المال ، فالصلاة تحقن الدم ، والزكاة تعصم المال.
وقد جاء في الحديث الصحيح : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة.
وأما السياسة فما عداها فإنه لو ساهلهم في منع الزكاة لقويت شوكتهم ، وتمكّنت في القلوب بدعتهم ، وعسر إلى الطاعة صرفهم ، فعاجل بالدواء قبل استفحال الداء.
فأما إراقته للدماء فبالحقّ الذي كان عصمها قبل ذلك ، وإراقة الدماء ـ يا معشر الرافضة ـ في توطيد الإسلام وتمهيد الدّين آكد من إراقتها في طلب الخلافة ، وكلّ عندنا حق ، وعليكم في إبطال كلامكم ، وضيق مرامكم خنق.
فأما قولهم : إن هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم فلا يلتحق غيره فيه به ، فهذا كلام جاهل بالقرآن غافل عن مأخذ الشريعة ، متلاعب بالدين ، متهافت في النظر ؛ فإنّ الخطاب في القرآن لم يرد بابا واحدا ، ولكن اختلفت موارده على وجوه منها في غرضنا هذه ثلاثة :
الأول ـ خطاب توجّه إلى جميع الأمة ، كقوله (٢) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ
__________________
(١) سورة التوبة ، آية ١١.
(٢) سورة المائدة ، آية ٦