المسألة الرابعة ـ قوله : (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ) :
وقد روى أنّ عمر قرأ [الذين] (١) بإسقاط الواو نعتا للأنصار ، فراجعه زيد [بن ثابت] (٢) ، فسأل أبىّ بن كعب ، فصدّق زيدا فرجع إليه عمر ، وثبتت الواو (٣).
وقد بينا ذلك في تفسير قوله : أنزل القرآن على سبعة أحرف. وقد اختلف في التابعين ؛ فقيل : هم من أسلم بعد الحد ؛ كخالد بن الوليد ، وعمرو بن العاص ، ومن داناهم من مسلمة الفتح. وقد ثبت أنّ عبد الرحمن بن عوف شكا إلى النبىّ صلى الله عليه وسلم خالد ابن الوليد وعمرو بن العاص ؛ فقال النبىّ صلى الله عليه وسلم لخالد : دعوا لي أصحابى ، فو الذي نفس محمد بيده ، لو أنفق أحدكم كلّ يوم مثل أحد ذهبا ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه (٤). خرجه البرقاني وغيره.
وقيل : هم الذين لم يروا النبىّ صلى الله عليه وسلم ؛ ولا عاينوا معجزاته ؛ ولكنهم سمعوا خبره في القرن الثاني من القرن الأول ، وهو اسم مخصوص بالقرن الثاني ، فيقال صحابى وتابعي بهذه الخطة ، لما ذكر في هذه الآية ، وكفانا أن اتقينا الله ، واهتدينا بهدى رسول الله ، واقتفينا آثاره ، [و] (٥) اسم الأخوة التي قدمنا تبيانا لنا.
المسألة الخامسة ـ إذا ثبتت هذه المراتب ، وبينت الخطط فإن السابق إلى كل خير ، والمتقدم إلى الطاعة أفضل من المصلّى فيها والتالي بها. قال الله تعالى (٦) : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى). ولكن من سبق أكرم عند الله مرتبة ، وأوفى أجرا ، ولو لم يكن للسابق من الفضل إلا اقتداء التالي به ، واهتداؤه بهدية ، فيكون له ثواب عمله في نفسه ،
__________________
(١ ـ ٢) من القرطبي.
(٣) في القرطبي : فرجع إليه عمر ، وقال : ما كنا نرى إلا أننا رفعنا رفعة لا ينالها معنا أحد. فقال أبى : مصداق ذلك في كتاب الله في أول سورة الجمعة : (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ). فثبتت القراءة بالواو. (٨ ـ ٢٣٨).
(٤) في القرطبي : ولا نصفه. والمد في الأصل : ربع الصاع ، وإنما قدره به لأنه أقل ما كانوا يتصدقون به في العادة. ويروى بفتح الميم ، وهو الغاية. والنصيف : النصف (النهاية).
(٥) في القرطبي : فجعلنا إخوانه.
(٦) سورة الحديد ، آية ١٠.