فيحبّه جبريل ، ثم ينادى جبريل : يا ملائكة السماء ؛ إن الله يحبّ فلانا فأحبّوه ، فيحبه ملائكة السماء ؛ ثم يوضع له القبول في الأرض ، ولا أراه في البغض إلا مثل ذلك.
إيضاح مشكل :
قوله : إذا تقرّب العبد منّى شبرا نقرّبت منه ذراعا مثل ؛ لأن البارئ سبحانه يستحيل عليه القرب بالمساحة ؛ وإنما قربه بالعلم والإحاطة للجميع ، وبالرحمة والإحسان لمن أراد ثوابه.
وقوله أيضا : أتيته أهرول مثله في التمثيل ، والإشارة به إلى أن الثواب يكون أكثر من العمل ؛ فضرب زيادة الأفعال بين الخلق في المجازاة على البعض مثلا في زيادة ثوابه على أعمالهم.
وقوله : لا يزال العبد يتقرّب إلىّ بالنوافل ، إشارة إلى أنّ المواظبة على العمل توجب مواظبة الثواب ، وتطهّر المواظبة الأعضاء عن المعاصي ؛ فحينئذ تكون الجوارح لله خالصة ؛ فعبّر بنفسه تعالى عنها تشريفا لها حين خلصت من المعاصي. ومثله النزول ، فإنه عبارة عن إفاضة الخير ونشر الرحمة.
المسألة الخامسة ـ أما الآية الأولى في المنافقين فهي على رسم التهديد ، كما بيناه ، ومعناها أنّ المنافقين يعتقدون الكفر ، ويظهرون أعمال الإيمان كأنها أعمال برّ ، وهي رياء وسمعة بغير اعتقاد ولا نيّة ، فالله يراها كذلك ، ويطلع عليها عباده المؤمنين ، فأما إطلاع رسوله فبعينيه ، وأما إطلاع المؤمنين فبالعلامات من الأعمال والأمارات الدالة على الاعتقاد ، وذلك كما قال : من أسرّ سريرة ألبسه الله رداءها ، إن خيرا فخير وإن شرا فشرّ.
وأما الآية الثانية (١) في المؤمنين الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا فإن الله يراه ويعلمه ، فيعلمه رسوله والمؤمنون على النحو الذي تقدم ، ونردّ العلمين إلى عالم الغيب والشهادة فنجزيهم بأعمالهم ومواقعها. أما المنافق فنقدم إلى عمله فنجعله هباء منثورا. وأما المؤمن الذي خلط في أعماله طاعة بمعصية فإنه يوازن بها في الكفتين ، فما رجح منها على مقدار عمله فيها أظهره عليها ، وحكم به لها.
__________________
(١) سورة التوبة ، آية ١٠٢