وخبر صادق ، ولو لم يكن رائيا لكان مؤوفا (١) ؛ لأن الحىّ إذا لم يكن مدركا كان مؤوفا ، وهو المتقدّس عن الآفات والنقائص ، وهذه العمدة العقلية لعلمائنا ؛ فقد أخبر سبحانه عن نفسه بما يجب له من صفته ، وقام الدليل عليه من نعته ، فلزمنا اعتقاده والإخبار به.
المسألة الثالثة ـ قوله : (وَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ) :
ذكره بصيغة الاستقبال ؛ لأنّ الأعمال مستقبلة ، والباري يعلم ما يعمل قبل أن يعمل ، ويراه إذا عمل ؛ لأنّ العلم يتعلّق بالموجود والمعدوم ، والرؤية لا تتعلّق إلا بالموجود ، وقد قال في الحديث الصحيح ، عن جبريل : ما الإحسان؟ قال النبىّ صلى الله عليه وسلم : أن تعبد الله كأنك تراه ؛ فإنك إن لم تكن تراه فإنه يراك.
المسألة الرابعة ـ قال الأستاذ أبو بكر : قوله : (وَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ) : معناه يجعله في الظهور محلّ ما يرى.
وروى ابن القاسم ، عن مالك في الآية : أنه كان يقال : ابن آدم ، اعمل وأغلق عليك سبعين بابا ، يخرج الله عملك إلى الناس.
وهذا الذي قاله الأستاذ أبو بكر ، والإمام مالك ، إنما يكون فيما يتعلق برؤية الناس ، فأما رؤية الله فإنها تتعلق بما يسرّه ، كما تتعلق بما يظهره ؛ لأنه لا تؤثر الحجب في رؤيته ، ولا تمنع الأجسام عن إدراكه.
وفي الأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو أنّ رجلا عبد الله في صخرة لا باب لها ، ولا كوّة لأخرج الله عمله إلى الناس كائنا ما كان ، والله يطلع المؤمنين على ما في قلوب إخوانهم من حير فيحبّونه ، أو شرّ فيبغضونه. وقال الله : إذا تقرّب إلىّ عبدى شبرا تقرّبت إليه ذراعا ، وإذا تقرّب إلى ذراعا تقرّبت منه باعا ، وإذا أتانى يمشى أتيته أهرول ، ولا يزال العبد يتقرّب إلىّ بالنوافل حتى أحبّه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به.
وفي الصحيح : إذا أحبّ الله عبدا نادى في السماء يا جبريل ؛ إنى أحبّ فلانا فأحبه ،
__________________
(١) الآفة : العاهة ، أو عرض مفسد لما أصابه ، وأيف الزرع. أصابته فهو مؤوف. والقوم : دخلت عليهم الآفة (القاموس).