المسألة السابعة ـ قال علماؤنا رحمة الله عليهم : من قرائن الأحوال ما يفيد العلم الضرورىّ ، ومنها ما يحتمل الترديد (١) ؛ فالأول كمن يمرّ على دار قد علا فيها النعىّ ، وخمشت فيها الخدود ، وحلقت الشعور ، وسلقت (٢) الأصوات ، وخرقت الجيوب ، ونادوا على صاحب الدار بالثّبور (٣) ، فيعلم أنه قد مات.
وأما الثاني فكدموع الأيتام على أبواب الحكام ، قال الله تعالى ـ مخبرا عن إخوة يوسف (٤) : (وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ) ، وهم الكاذبون ، وجاءوا على قميصه بدم كذب ، ومع هذا فإنها قرائن يستدلّ بها في الغالب ، وتنبنى عليها الشهادة في الموت وغيره بناء على ظواهر الأحوال وغالبها.
الآية الثالثة والثلاثون ـ قوله تعالى (٥) : (يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ ، قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ ، قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ ، وَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
فيها ست مسائل :
المسألة الأولى ـ هذه الآية نزلت بعد ذكر المنافقين هاهنا ، ونزلت بعد ذكر المؤمنين بعد هذا بآيات ، فأما هذه التي أعقبت ذكر المنافقين فمعناها التهديد ، وأما الآية (٦) التي نزلت بعد هذا فمعناها الأمر ، وتقديرها : اعملوا بما يرضى الله ، وذلك أنّ النفاق موضع ترهيب ، والإيمان محلّ ترغيب ، فقوبل أهل كلّ محل من الخطاب بما يليق به ، كما قيل للكفار : اعملوا ما شئتم ، على معنى التهديد.
المسألة الثانية ـ قوله تعالى : (وَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ) الباري راء مرئى ، يرى الخلق ، ويرونه ، فأما رؤيتهم له ففي محلّ مخصوص ، ومن قوم مخصوصين ، وأما رؤيته للخلق فدائمة ، فهو تعالى يعلم ويرى.
وقال جماعة من المبتدعة : إنه يعلم ولا يرى ، ومتى أخبر عنه بالرؤية فإنها راجعة إلى العلم ، وقد دللنا في كتب الأصول على أنه راء برؤية ، كما أنه عالم بعلم ؛ لأنه أخبر عن نفسه بذلك ،
__________________
(١) في ا : التزوير.
(٢) السلق : شدة الصوت.
(٣) الثبور : الهلاك.
(٤) آية ١٦.
(٥) آية ٩٤.
(٦) آية ١٠٥