لهم ، وأنهم مذمومون ؛ لأنهم جاءوا ليؤذن لهم ، ولو كانوا من الضعفاء أو المرضى لم يحتاجوا أن يستأذنوا ؛ وليس الأمر كذلك ؛ بل كل أحد يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم ، ويعلمه بحاله ، فإن كان مرئيّا فالعيان شاهد لنفسه ، وإن كان غير مرئى مثل عجز البدن وقلة المال ، فالله شهيد به ، وهو أعدل الشاهدين ، يلقى اليقين على رسوله بصدق عذر المعتذرين إليه ، ويخلق له القبول في قلبه له.
المسألة الرابعة ـ قوله : (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) ، يريد من طريق إلى العقوبة على فعله ؛ لأنه إحسان في نفسه ، والحسن ما لم ينه عنه الشّرع ، والقبيح ما نهى عنه ، وقد بينا ذلك هاهنا وفي كتب الأصول.
المسألة الخامسة ـ هذا عموم ممهّد في الشريعة ، أصل في رفع العقاب والعتاب عن كل محسن. قال علماؤنا في الذي يقتصّ من قاطع يده فيفضى ذلك بالسراية إلى إتلاف نفسه ، فقال أبو حنيفة : يلزمه الدّية. وقال مالك والشافعى : لا دية عليه ؛ لأنه محسن في اقتصاصه من المعتدى عليه ، فلا سبيل إليه. وكذلك إذا صال فحل على رجل فقتله في دفعه عن نفسه فلا ضمان عليه عندنا ؛ وبه قال الشافعى.
وقال أبو حنيفة : يلزمه لمالكه قيمته ، وكذلك في مسائل الشريعة كلها.
وقد أومأنا إلى ذلك في مسائل الخلاف ، وقررنا هذا الأصل في كتب الأصول.
المسألة السادسة ـ قوله (١) : (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ) ـ أقوى دليل على قبول عذر المعتذر بالحاجة والفقر عن التخلف في الجهاد إذا ظهر من حاله صدق الرغبة ، مع دعوى المعجزة ، كإفاضة العين ، وتغيير الهيئة ؛ لقوله : (تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ ...) الآية ، ويدلّ على أنه لا يلزم الفقير الخروج في الغزو والجهاد تعويلا على النفقة من المسألة ، حاشا ما قاله علماؤنا دون سائر الفقهاء : إن ذلك إذا كانت عادة لزمه ذلك ، وخرج على العادة ؛ وهو صحيح ؛ لأنّ حاله إذا لم يتغير يتوجّه الفرض عليه توجّهه عليه ، ولزمه أداؤه ، وهي :
__________________
(١) آية ٩٢.