عليه يريد الصلاة تحوّلت حتى قمت في صدره ، فقلت : يا رسول الله ؛ أعلى عدوّ الله عبد الله بن أبىّ القائل كذا يوم كذا وكذا ـ يعدّد عليه آثامه (١)؟ قال : ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسم ، حتى إذا أكثرت عليه قال : أخر عنى يا عمر ، إنى خيّرت فاخترت ، قد قيل لي (٢) : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ...) الآية. لو أعلم أنى لو زدت على السبعين غفر له لزدت قال : ثم صلّى عليه ، ومشى معه ، فقام على قبره حتى فرغ منه ، قال : فعجبت لي ولجراءتى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله ورسوله أعلم.
قال : فو الله ما كان إلّا يسيرا حتى نزلت هاتان الآيتان : ولا تصلّ على أحد ـ إلى آخر الآيتين.
قال : فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد على منافق ، ولا قام على قبره ، حتى قبضه الله. وفي الصحيح أيضا عن ابن عمر ، قال (٣) : جاء عبد الله بن عبد الله بن أبىّ إلى النبىّ صلى الله عليه وسلم حين مات أبوه ، فقال : أعطنى قميصك أكفّنه فيه ، وصلّ عليه ، واستغفر له. فأعطاه قميصه ، وقال : إذا فرغتم فآذنونى ، فلما أراد أن يصلّى [عليه] (٤) جذبه عمر ، وقال : أليس قد نهى الله أن تصلّى على المنافقين؟ فقال : أنا بين خيرتين : استغفر لهم ، أو لا تستغفر لهم. فصلّى عليه. فأنزل الله : (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً ، وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ) ، فترك الصلاة عليهم.
المسألة الثانية ـ اختلف الناس في قوله : (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) ، هل هو إياس أو تخيير؟ فقال قوم : هو إياس (٥) بدليل ثلاثة أشياء :
أحدها ـ أنه قال : (فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ).
الثاني ـ أنه قال : (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) ، مبالغة ، كقول القائل : لو سألتنى مائة مرة ما أجبتك.
الثالث ـ أنه علل ذلك بقوله : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) ، وهذه العلة موجودة بعد الزيادة على السبعين ، وحيث توجد العلة يوجد الحكم.
__________________
(١) في أسباب النزول : أعدد أيامه.
(٢) سورة التوبة ، آية ٨٠
(٣) صحيح مسلم : ٢١٤١ ، وأسباب النزول : ١٤٧.
(٤) ليس في ا.
(٥) في القرطبي : المقصود به اليأس.