وقال قوم : هو تخيير من الله لنبيه ، والدّليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم لعمر : إنى خيّرت فاخترت ؛ قد قيل لي : استغفر لهم أولا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ، لو أعلم أنّى لو زدت على السبعين غفر له لزدت. وهذا أقوى ؛ لأنّ هذا نص صريح صحيح من النبي صلى الله عليه وسلم في التخيير ، وتلك استنباطات ، والنصّ الصريح أقوى من الاستنباط.
فأما قولهم : إنه قال : (فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) فهذا في السبعين ، وليس ما وراء السبعين كالسبعين ، لا من دليل الخطاب ولا من غيره ؛ أما من دليل الخطاب فإنّ دليل الخطاب لا يكون في الأسماء ؛ وإنما يكون في الصفات ، حسبما بيّناه في أصول الفقه ، ورددناه على الدقاق (١) من أصحاب الشافعىّ الذي يجعله في الأسماء والصفات ، وهو خطأ صراح وأما من غير دليل الخطاب فظاهر أيضا ؛ لأنّ الحكم إذا علّق على اسم علم بقي (٢) غيره خاليا عن ذلك الحكم ، فيطلب (٣) الحكم فيه من دليل آخر.
وأما قولهم : إنها مبالغة فدعوى. ولعله تقدير لمعنى ، حتى لقد قال [في] (٤) ذلك الأستاذ أبو بكر بن فورك رحمه الله : إن التعديل في الخمسة ، لأنها نصف العقد ، وزيادة الواحدة أدنى المبالغة ، وزيادة الاثنين لأقصى المبالغة ، ومنه سمّى الأسد سبعا ، عبارة عن غاية القوة ، وفي الأمثال (٥) : أخذه أخذة سبعة ؛ أى غاية الأخذ ، على أحد التأويلات ، وهذا تحكّم ؛ إذ يحتمل أن يقول : إن الاثنين أوسط المبالغة ، والثلاثة نهايتها ، وذلك في الثمانية ، ومنه يقال في المثل ـ لمن بالغ في عوض السلعة : أثمنت. أى بلغت الغاية في الثمن ، وهذه التحكمات لا قوة فيها ، والاشتقاقات لا دليل عليها ؛ وإنما هي ملحّة ، فإذا عضدها الدليل كانت صحيحة.
وأما قولهم : إنه علّله بالكفر ، وذلك موجود بعد السبعين ، والكافر لا يغفر له.
قلنا : أما قولهم : إن ذلك موجود بعد السبعين ، فيقال له : هذا الحكم من عدم المغفرة إنما كان معلّقا بالسبعين ، والزيادة غير معتبرة به ، كما تقدم بيانه ، وإنما علم عدم المغفرة في الكافر بدليل آخر ، ورد من طرق ، منها قوله : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ ...) الآية.
__________________
(١) هكذا بالأصل.
(٢) في ا : نفى.
(٣) في ا : يطلب.
(٤) من ل.
(٥) اللسان (سبع).