في الآخرة ، فقد قال : (فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ). وعندك أن المنافقين لا يرون الله في الآخرة ، وقد شرحنا وجه الآيتين في المشكلين ، وتقدير الآية : فأعقبهم هو نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه ، فيحتمل عود ضمير «يلقونه» إلى ضمير الفاعل في أعقبهم المقدّر بقولنا هو ، ويحتمل أن يعود إلى النفاق مجازا على تقدير الجزاء كما بيّناه.
المسألة الثامنة ـ قوله تعالى : (بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ) : يريد به تحريم مخالفة العهد ونكث العهد كيفما تصرّفت حاله.
روى البخاري عن نافع ، قال : لما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية جمع ابن عمر حشمه وولده ، فقال : إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة ، وإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيعة الله وبيعة رسوله ، وإنى لا أعلم غدرا أعظم من أن يبايع رجل على بيعة الله وبيعة رسوله ، ثم ينصب له القتال ، وإنى لا أعلم أحدا منكم خلعه ، ولا بايع في هذا الأمر إلا كانت الفيصل بيني وبينه.
وقال ابن خياط : إن بيعة عبد الله ليزيد كانت كرها ، وأين يزيد من ابن عمر ، ولكن رأى بدينه وعلمه التسليم لأمر الله ، والفرار عن التعرض لفتنة فيها من ذهاب الأموال والأنفس ما لا يفي بخلع يزيد. ولو تحقق أنّ الأمر يعود بعده في نصابه ، فكيف وهو لا يعلم ذلك؟ وهذا أصل عظيم فتفهّموه والتزموه ترشدوا إن شاء الله تعالى.
المسألة التاسعة ـ في قوله تعالى : (لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَ) :
دليل على أن من قال : إن ملكت (١) كذا فهو صدقة ، أو علىّ صدقة ، إنه يلزمه ؛ وبه قال أبو حنيفة.
وقال الشافعى لا يلزمه ذلك ، والخلاف في الطلاق مثله ، وكذلك في العتق ، إلّا أن أحمد بن حنبل يقول : إنه يلزم ذلك في العتق ، ولا يلزم في الطلاق.
وظاهر هذه الآية يدلّ على ما قلناه خلافا للشافعي ، وتعلّق الشافعى بقوله صلى الله عليه وسلم : لا طلاق قبل نكاح ، ولا نذر فيما لا يملك ابن آدم. وسرد (٢) أصحابه في هذا الباب
__________________
(١) في القرطبي : إن ملكت كذا وكذا فهو صدقة فإنه يلزمه ، وبه قال أبو حنيفة.
(٢) في ا : وسود.