والذي عندي أنه لو غلبت عليه المعاصي ما كان بها كافرا ما لم تؤثر في الاعتقاد. والذي عندي (١) أنّ البخاري روى عن حذيفة أنّ النفاق كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد الإيمان ؛ وذلك أنّ أحدا لا يعلم منه هذا ، كما كان في عهد النبىّ صلى الله عليه وسلم يعلمه منه النبىّ ، وإنما هو القتل دون تأخير ، فإن ظهر ذلك من أحد في زماننا فيكون كقوله : من ترك الصلاة فقد كفر ، وأيما عبد أبق من مواليه فقد كفر.
وقد قال علماؤنا رحمة الله عليهم : إنّ إخوة يوسف عاهدوا أباهم فأخلفوه ، وحدّثوه فكذبوه ، وائتمنهم عليه فخانوه ، وما كانوا منافقين.
وقد حققنا ذلك في كتاب المشكلين.
تحقيقه أنّ الحسن ابن أبى الحسن البصرىّ عالم من علماء الأمة قال : النفاق نفاقان : نفاق الكذب ، ونفاق العمل ، فأمّا نفاق الكذب فكان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما نفاق العمل فلا ينقطع إلى يوم القيامة.
المسألة السابعة ـ قوله تعالى : (إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ) :
فيه قولان :
أحدهما ـ أن الضمير عائد إلى الله تعالى.
والثاني ـ أنه عائد على النفاق. عبّر عنه بجزائه ، كأنه قال : فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقون جزاءه.
وعلى ذكر هذه الآية أنبئكم أنى كنت بمجلس الوزير العادل أبى منصور بن حمير على رتبة بيناها في كتاب ترتيب الرحلة للترغيب في الملة ، فقرأ القارئ (٢) : (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ) ، وكنت في الصف الثاني من الحلقة ، فظهر أبو الوفاء على بن عقيل إمام الحنبلية (٣) بها ، وكان معتزلي الأصول ، فلما سمعت الآية قلت لصاحب لي كان يجلس على يساري : هذه الآية دليل على رؤية الله في الآخرة ، فإن العرب لا تقول : «لقيت فلانا» إلّا إذا رأته. فصرف وجهه أبو الوفاء المذكور إلينا مسرعا ، وقال : تنتصر (٤) لمذهب الاعتزال في أن [الله] (٥) لا يرى
__________________
(١) في ل : والمختار.
(٢) سورة الأحزاب ، آية ٤٤.
(٣) في ل : الحنفية.
(٤) في ا : ينتصر.
(٥) من ل. وانظر هذا مع قوله السابق.