وأما قولي : إذا وعد أخلف ، فذلك فيما أنزل الله علىّ : (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ ...) إلى : (يَكْذِبُونَ). أفأنتم كذلك؟ قال : فقلنا : لا ، والله لو عاهدنا الله على شيء لو فينا بعهده. قال : فلا عليكم ، أنتم من ذلك برآء.
وأما قولي : إذا ائتمن خان ، فذلك فيما أنزل الله (١) : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ ...) إلى : (جَهُولاً). فكلّ مؤمن مؤتمن على دينه ، والمؤمن يغتسل من الجنابة في السرّ والعلانية ، ويصوم ويصلّى في السرّ والعلانية ، والمنافق لا يفعل ذلك إلا في العلانية ، أفأنتم كذلك؟ قلنا : لا. قال : فلا عليكم ، أنتم من ذلك برآء.
قال : ثم خرجت من عنده فقضيت مناسكي ، ثم مررت بالحسن ابن أبى الحسن البصري ، فقلت له : حديث بلغني عنك. قال : وما هو؟ قلت : من كنّ فيه فهو منافق. قال : فحدّثنى بالحديث. قال : فقلت : أعندك فيه شيء غير هذا؟ قال : لا. قلت : ألا أحدّثك حديثا حدثني به سعيد بن جبير ، فحدّثته به ، فتعجب منه ، وقال : إن لقينا سعيدا سألناه عنه وإلا قبلناك.
قال القاضي : هذا حديث مجهول الإسناد ، وأما معناه ففيه نحو من الأول ، وهو تخصيصه من عمومه ، وتحقيقه بصفته ، أما قوله : (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ ...) الآية ، فإنه كذب في الاعتقاد ، وهو كفر محض.
وأما قوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ) فهي الآية التي نتكلم فيها الآن ، وهي محتملة يمكن أن يصحبها الاعتقاد ، بخلاف ما عاهد عليه عند العهد.
ويحتمل أن يكون بنية الوفاء حين العهد ، وطرأ عليه ذلك بعد تحصيل المال.
وأما قوله (٢) : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ). وقوله فيه : إن المؤمن يصلّى في السر والعلانية ، ويغتسل ويصوم كذلك ، فقد يترك الصلاة والغسل تكاسلا إذا أسرّ ، ويفعلها رياء إذا جهر ولا يكذب بهما ، وكذلك في الصوم مثله ، ولا يكون منافقا بذلك ، لما بيّناه من أنّ المنافق من أسرّ الكفر ، والعاصي من آثر الراحة ، وتثاقل في العبادة.
وقالت طائفة : هذا فيمن كان الغالب عليه هذه الخصال.
__________________
(١) سورة الأحزاب ، آية ٧٢