وقالت طائفة : إنما ذلك مخصوص بالمنافقين زمان رسول الله.
أفادنى أبو بكر الفهري بالمسجد الأقصى : أن مقاتل بن حيان ، قال : خرجت زمان الحجاج بن يوسف ، فلما كنت بالرىّ أخبرت أنّ سعيد بن جبير بها مختف من الحجاج ، فدخلت عليه ، فإذا هو في ناس من أهل ودّه. قال : فجلست حتى تفرقوا. ثم قلت : إنّ لي ـ والله ـ مسألة قد أفسدت علىّ عيشي. ففزع سعيد ، ثم قال : هات. فقلت : بلغنا أنّ الحسن ومكحولا ـ وهما من قد علمت في فضلهما وفقههما فيما يرويان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ثلاث من كنّ فيه فهو منافق ، وإن صلّى وصام ، وزعم أنه مؤمن : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا ائتمن خان. ومن كانت فيه خصلة منهن كان فيه ثلث النفاق. وظننت أنى لا أسلم منهن أو من بعضهن ، ولم يسلم منهن كثير من الناس.
قال : فضحك سعيد ، وقال : همّنى والله من الحديث [مثل] (١) الذي أهمّك.
فأتيت ابن عمر وابن عباس فقصصت عليهما ما قصصت علىّ ، [فضحكا] (٢) وقالا : همّنا والله من الحديث مثل الذي أهمّك. فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس من أصحابه ، فقلنا : يا رسول الله ، إنك قد قلت : ثلاث من كنّ فيه فهو منافق ، وإن صام وصلّى وزعم أنه مؤمن : من إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا ائتمن خان ، ومن كانت فيه خصلة منهن ففيه ثلث النفاق ، فظننا أنا لم نسلم منهنّ أو من بعضهن ولن يسلم منهن كثير من الناس.
قال : فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : ما لكم ولهنّ؟ إنما خصصت به (٣) المنافقين ، كما خصّهم الله في كتابه.
أما قولي : إذا حدث كذب فذلك قول الله عز وجل (٤) : (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ ...) الآية لا يرون (٥) نبوّتك في قلوبهم ، أفأنتم كذلك؟ قال : فقلنا : لا. قال : فلا عليكم ، أنتم من ذلك برآء.
__________________
(١) من ل.
(٢) من ل.
(٣) في القرطبي : بهن.
(٤) سورة المنافقون ، آية ١.
(٥) في ل : لا يستيقنون.