في شرح الصحيح والأصول ، وفيه قال النبىّ صلى الله عليه وسلم (١) : أربع من كنّ فيه كان منافقا خالصا ، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذ ائتمن خان ، وإذا حدّث كذب ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر. روته الصحاح والأئمة ، وتباين الناس فيه حزقا (٢) ، وتفرّقوا فرقا ، بسبب أنّ المعاصي بالجوارح لا تكون كفرا عند أهل الحق ، ولا في دليل التحقيق.
وظاهر هذا الحديث يقتضى أنه إذا اجتمعت فيه هذه الخصال صحّ نفاقه وخلص ، وإذا كان منهن واحدة كانت فيه من النفاق خصلة ، وخصلة من النفاق نفاق ، وعقدة من الكفر كفر ، وعليه يشهد ظاهر هذه الآية بما قال فيه من نكثه لعهده ، وغدره الموجب له حكم النفاق ؛ فقالت طائفة : إن ذلك إنما هو لمن يحدّث بحديث يعلم كذبه ، ويعهد بعهد لا يعتقد الوفاء به ، وينتظر الأمانة للخيانة فيها. وتعلقوا فيما ذهبوا إليه من ذلك بحديث خرجه البزّار ، عن سلمان ، قال : دخل أبو بكر وعمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : من خلال المنافقين (٣) ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا ائتمن خان. فخرجا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ثقلين ، فلقيهما علىّ فقال لهما : مالي أراكما ثقيلين؟ قالا : حديثا سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم : من خلال المنافقين إذا حدث كذب ، وإذا ائتمن خان ، وإذا وعد أخلف. فقال علىّ : أفلا سألتماه؟ فقالا : هبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال : لكني سأسأله.
فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لقيني أبو بكر وعمر ، وهما ثقيلان ، ثم ذكر ما قالا. فقال : قد حدّثتهما ، ولم أضعه على الموضع الذي يضعونه ، ولكن المنافق (٤) إذا حدّث وهو يحدّث نفسه أنه يكذب ، وإذا وعد وهو يحدث نفسه أنه يخلف ، وإذا ائتمن وهو يحدّث نفسه أنه يخون.
قال القاضي الإمام : هذا ليس بممتنع لوجهين : أحدهما ضعف سنده. والثاني أنّ الدليل الواضح قد قام على أنّ متعمد (٥) هذه الخصال لا يكون كافرا ، وإنما يكون كافرا باعتقاد يعود إلى الجهل بالله وصفاته أو التكذيب له.
__________________
(١) صحيح مسلم : ٧٦.
(٢) حزقا : جماعات ، وفرقا.
(٣) في ل : المنافق.
(٤) في ل : ولكن المنافق الذي.
(٥) في ل : معتقد.