وإن كانت يمينا فليس الوفاء باليمين واجبا باتفاق ، بيد أنّ المعنى فيه [إن كان نذر الرجل أو] (١) إن كان فقيرا لا يتعيّن عليه فرض الزكاة ، فسأل الله مالا يلتزم فيه ما ألزمه من الصدقة ، ويؤدّى ما تعيّن عليه فيه من الزكاة ، فلما آتاه الله ما سأل ترك ما التزم مما كان يلزمه في أصل الدين لو لم يلتزمه ، لكنّ التعاطي بطلب المال لأداء الحقوق هو الذي أورطه ، إذ كان ـ والله أعلم ـ بغير نيّة خالصة ، أو (٢) كان بنية لكن سبقت فيه البداية المكتوب عليه فيها الشقاوة.
المسألة الرابعة ـ إن كان هذا المعاهد عارفا بالله فيفهم وجه المعاهدة ، وإن كان غير عارف بالله فكيف يصحّ معاهدة الله مع من لا يعرفه.
قلنا : إن كان وقت المعاهدة عارفا بالله ، ثم أذهب المعرفة سوء الخاتمة فلا كلام ، وإن كان في وقت المعاهدة منافقا يظهر الإيمان ويسرّ الكفر فإن قلنا : إن الكفار يعرفون الله فالمعاهدة مفهومة ، وإن قلنا : لا يعرفونه ـ وهو الصحيح فإنّ حقيقة المعاهدة عند علمائنا معاقدة بعزيمة محقّقة بذكر الله ، فإن عاهد الله من لا يعرفه فإنما ذلك إذا ذكره في المعاقدة فخاصّ من خواص أوصافه ، وإن لم يتحقق ربّه فينعقد ذلك عليه ، ويلزمه حكمه ، وينفذ عليه عقابه ؛ لأن العقد يتعلق بهذا الذكر اللازم.
المسألة الخامسة ـ قوله تعالى : (بَخِلُوا بِهِ) :
اختلف فيه ؛ فقيل : البخل منع الواجب ، والشحّ منع المستحب ، قال تعالى (٣) : (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ) ـ إلى : (الْقِيامَةِ). وقال تعالى (٤) : (وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ ...) الآية.
وقيل : هما واحد ، وقد سبقت الإشارة إليه في المتقدم من القول ، وما حكيناه هاهنا هو الصحيح ، وعليه تدلّ الأحاديث حسبما بينّاه فيها ، وظواهر القرآن ، حسبما بيناه فيها.
المسألة السادسة ـ قوله : (فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ) :
النّفاق في القلب هو الكفر ، وإذا كان في الأعمال فهو معصية ، وقد حققنا ذلك
__________________
(١) من ل.
(٢) في ا : وإن.
(٣) سورة آل عمران ، آية ١٨٠.
(٤) سورة الحشر ، آية ٩