فإن قيل : قد روى أبو داود ، عن أبى رافع ، أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على الصدقة من بنى مخزوم ، فقال لأبى رافع : اصحبنى ، فإنك تصيب منها ؛ فقال : حتى آتى رسول الله فأسأله. فأتاه فسأله ، فقال : موالي القوم من أنفسهم ، وإنا لا تحلّ لنا الصدقة.
وهذا نص في المسألة ، فلو صحّ لوجب قبوله ، وقد قال علماؤنا في ذلك جوابان :
الأول ـ أنّ ذلك على التنزيه منه (١).
الثاني ـ أنّ أبا رافع كان مع النبىّ صلى الله عليه وسلم يخدم ويطعم ، فكره له ترك المال الذي لم يذم ، وأخذه لمال هو أوساخ الناس ، فكسب غيره أولى منه.
فإن قيل : فقد روى أن ابن عباس قال : بعثني أبى إلى النبي صلى الله عليه وسلم في إبل أعطاها إياه من الصدقة.
قلنا : لم يصح. وجوابه لو صح أنّ النبي صلى الله عليه وسلم استسلف من العباس ، فردّ إليه ما استسلف من الصدقة ، فأكلها بالعوض. وقد روينا ذلك مفسّرا مستوفى في شرح الحديث.
وقد قال أبو يوسف : يجوز صرف صدقة بنى هاشم إلى فقرائهم ، فيقال له : أيأكلون من أوساخهم؟ هذا جهل بحقيقة العلة وجهة الكرامة (٢).
المسألة الثامنة والعشرون ـ قوله : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ) مقابلة جملة بجملة ، وهي جملة الصدقة بجملة (٣) المصرف لها ، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث البخاري وغيره ـ حين أرسل معاذا إلى اليمن : قال لهم : إنّ الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم. فاختص أهل كلّ بلد بزكاة بلده ؛ فهل يجوز نقلها أم لا؟ في ذلك ثلاثة أقوال :
الأول ـ لا تنقل ، وبه قال سحنون. وقاله ابن القاسم ، إلا أنه زاد إن نقل بعضها لضرورة رأيته صوابا.
__________________
(١) في ا : على التبرئة منه.
(٢) في ل : بجهة اللغة وجهة الكراهة.
(٣) في ا : فجملة المصرف.