قلنا : صدقة التطوع والفرض هاهنا واحد ؛ لأن المنع منه إنما هو لأجل عوده عليه ، وهذه العلة لو كانت مراعاة لاستوى فيه التطوّع والفرض.
والمسألة الرابعة والعشرون ـ إذا كان الفقير قويّا ، فقال مالك في مختصر ما ليس في المختصر : يعطى ، يعنى لتحقيق صفة الاستحقاق فيه. وقال يحيى بن عمر : لا يجزيه ، وبه قال الشافعى ، لقول النبىّ صلى الله عليه وسلم (١) : لا تحلّ الصدقة لغنىّ ولا لذي مرّة (٢) سوىّ ـ خرجه الترمذي مع غيره ، وزاد فيه : إلا لذي فقر مدقع أو غرم مفظع (٣). وقال : هذا غريب ، والحديث المطلق دون زيادة لا يركن إليه ، ولا ينبغي أن يعوّل على هذا ؛ فإن النبىّ صلى الله عليه وسلم كان يعطيها للفقراء لأصحّاء ، ووقوفها على الزمنى باطل ، وهذا أولى من ذلك بالاتباع ، وأقوى منه في الارتباط والانتزاع.
المسألة الخامسة والعشرون ـ من كان له نصاب من الزكاة ، هل يجوز له أخذها أم لا؟
فقال علماؤنا تارة : من ملك نصابا فلا يأخذ منها شيئا ؛ لأنه غنّى تؤخذ منه فلا تدفع إليه.
وفي القول الثاني : يأخذ منها ، وقد ثبت أنّ النبىّ صلى الله عليه وسلم قال : من سأل وعنده أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا.
والصحيح ما قاله مالك والشافعى : إن من كانت عنده كفاية تغنيه فهو الغنىّ وإن كان أقلّ من نصاب ، ومن زاد على النصاب ولم تكن فيه كفاية لمئونته ولا سداد لخلّته (٤) فليس بغنىّ فيأخذ منها.
المسألة السادسة والعشرون ـ اختلف العلماء ، هل يعطى من الزكاة نصابا أم لا؟ على قولين.
وقال بعض المتأخرين : إن كان في البلد زكاتان : نقد ، وحرث ، أخذ ما يبلّغه إلى الأخرى.
والذي أراه أن يعطى نصابا ، وإن كان في البلد زكاتان وأكثر ، فإنّ الغرض إغناء الفقير ، حتى يصير غنيّا ، فإذا أخذ تلك فإن حضرت زكاة أخرى وعنده ما يكفيه أخذها غيره ، وإلا عاد عليه العطاء.
__________________
(١) ابن ماجة : ٥٨٩ ، والترمذي : ٣ ـ ٣٣.
(٢) المرة : القوة والشدة. والسوى : الصحيح الأعضاء (النهاية).
(٣) فقر مدقع : شديد يفضى بصاحبه إلى الدقعاء ، والدقعاء : الأرض لا نبات بها. وعزم مفظع : حاجة لازمة من غرامة مثقلة.
(٤) الخلة : الحاجة.