مؤمن إلا أنا أولى به في الدنيا والآخرة ، اقرءوا إن شئتم (١) : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) ؛ فأيما مؤمن مات وترك مالا فليرثه عصبته من كانوا ، ومن ترك دينا أو ضياعا (٢) فليأتنى فأنا مولاه.
المسألة التاسعة عشرة ـ قوله : (وَفِي سَبِيلِ اللهِ) :
قال مالك : سبل الله كثيرة ، ولكني لا أعلم خلافا في أنّ المراد سبيل الله هاهنا الغزو من جملة سبيل الله ؛ إلا ما يؤثر عن أحمد وإسحاق فإنهما قالا : إنه الحج.
والذي يصح عندي من قولهما أنّ الحج من جملة السّبل مع الغزو ؛ لأنه طريق برّ ، فأعطى منه باسم السبيل ، وهذا يحلّ عقد الباب ، ويخرم قانون الشريعة ، وينثر سالك النظر ، وما جاء قط بإعطاء الزكاة في الحجّ أثر.
وقد قال علماؤنا : ويعطى منها الفقير بغير خلاف ؛ لأنه قد سمّى في أول الآية ، ويعطى الغنىّ عند مالك بوصف سبيل الله تعالى ، ولو كان غنيا في بلده أو في موضعه الذي يأخذ به ، لا يلتفت إلى غير ذلك من قوله الذي يؤثر عنه. قال النبي صلى الله عليه وسلم (٣) : لا تحلّ الصدقة لغنىّ إلا الخمسة : غاز في سبيل الله ...
وقال أبو حنيفة : لا يعطى الغازي [في سبيل الله] (٤) إلا إذا كان فقيرا ، وهذه زيادة على النص ، وعنده أن الزيادة على النص نسخ ، ولا نسخ في القرآن إلا بقرآن مثله أو بخبر متواتر.
وقد بينا أنه فعل مثل هذا في الخمس في قوله : (وَلِذِي الْقُرْبى) ؛ فشرط في قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الفقر ؛ وحينئذ يعطون من الخمس. وهذا كله ضعيف حسبما بينّاه.
وقال محمد بن عبد الحكم : يعطى من الصدقة في الكراع والسلاح ، وما يحتاج إليه من آلات الحرب ، وكفّ العدو عن الحوزة ؛ لأنه كلّه من سبيل الغزو ومنفعته. وقد أعطى النبىّ صلى الله عليه وسلم من الصدقة مائة ناقة في نازلة سهل بن أبى حثمة إطفاء للثائرة.
__________________
(١) سورة الأحزاب ، آية ٦.
(٢) الضياع : العيال. وأصله مصدر ، وهو مصدر وصف به ، أى أولادا أو عيالا ذوى ضياع ، أى لا شيء لهم.
(٣) ابن ماجة : ١٨٤٢.
(٤) من ل.