المسألة الموفية عشرين ـ قوله تعالى : (وَابْنِ السَّبِيلِ) :
يريد الذي انقطعت به الأسباب في سفره ، وغاب عن بلده ومستقرّ ماله وحاله ؛ فإنه يعطى منها.
قال مالك في كتاب ابن سحنون : إذا وجد من يسلفه فلا (١) يعطى. وليس يلزمه أن يدخل تحت منّة أحد ، وقد وجد منّة الله ونعمته.
المسألة الحادية والعشرون ـ إذا جاء الرجل وقال : أنا فقير ، أو مسكين ، أو غارم ، أو في سبيل الله ، أو ابن السبيل ، هل يقبل قوله ، أم يقال له أثبت ما تقول؟
فأما الدّين فلا بد من أن يثبت (٢). وأما سائر الصفات فظاهر الحال يشهد لها ويكتفى به فيها.
ثبت أن النبىّ صلى الله عليه وسلم جاء إليه قوم (٣) ذوو حاجة مجتابى النّمار (٤) ، فحثّ على الصدقة عليهم.
وفي حديث (٥) أبرص وأقرع وأعمى ، قال مخبرا عنهم : إنا على ما ترى. فاكتفى بظاهر الحال. وكذلك ابن السبيل يكتفى بغربته ، وظاهر حالته ، وكونه في سبيل الله معلوم بفعله لذلك وركونه فيه.
وإنّ قال : أنا مكاتب أثبت ذلك ؛ لأنّ الأصل الرق حتى يثبت الحرية أو سببها.
وإنّ ادّعى زيادة على الفقر عيالا ، فقال القرويون. يكشف عن ذلك إن قدر ، وهذا لا يلزم ؛ لأن حديث أبرص وأعمى وأقرع ذكر ذلك عنهم وأنا ابن سبيل ، أسألك بعيرا أتبلّغ عليه في سفري ، ولم يكلفه إثبات السفر ، وهو غائب عنه ؛ فصار هذا أصلا في دعوى كل شيء غائب من هذا الباب.
__________________
(١) في ا : مالا ، ونراه تحريفا ، لأنه لا يتفق وما سيجيء من التعليل ، وانظر القرطبي ٨ ـ ١٨٧
(٢) في القرطبي : يثبته.
(٣) صحيح مسلم : ٧٠٤
(٤) في ا : مجتاحي النمار. والنمار جمع نمرة وهي كل شملة مخططة من مآزر الأعراب كأنها أخذت من لو النمر لما فيها من السواد والبياض ، أراد أنه جاء قوم لابسو أزر مخططة من صوف ، قد خرقوا أوساطها مقورين.
(٥) الحديث في صحيح مسلم : ٢٢٧٥