خصص هذا العموم بقوله : أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردّها على فقرائكم ؛ فخصصناه بما خصصه به صاحب الشريعة ، المبيّن للناس ما نزّل إليهم ؛ وما فهم المقصود أحد فهم الطبري ؛ فإنه قال : الصدقة لسدّ خلّة (١) المسلمين ، ولسدّ خلّة الإسلام ؛ وذلك من مفهوم مأخذ القرآن في بيان الأصناف وتعديدهم.
والذي جعلناه فصلا بيننا وبينهم أنّ الأمة اتفقت على أنه لو أعطى كلّ صنف حظّه لم يجب تعميمه ، فكذلك تعميم الأصناف مثله.
فإن قيل : فقد روى زياد بن الحارث الصّدائى : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته ، فأتاه رجل فقال : أعطنى من الصدقة. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنّ الله لم يرض بحكم نبىّ ولا غيره في الصدقات حتى حكم هو فيها ، فجزّأها ثمانية أجزاء ، فإن كنت من [أهل] (٢) تلك الأجزاء أعطيتك حقّك.
وقد قال النخعي : إن كان المال كثيرا قسمه على الأصناف ، وإلّا وضعه في صنف.
وقال أبو ثور : إن أخرجه صاحبه جاز له أن يضعه في قسم (٣) ، وإن قسمه الإمام استوعب الأصناف ؛ وذلك فيما قالوا : إنه إن كان كثيرا فليعمّهم ، وإن كان قليلا كان قسمه ضررا (٤) عليهم.
وكذلك إن قسمه صاحبه لم يقدر على النظر في جميع الأصناف ، فأما الإمام فحقّ كل واحد من الخلق متعلق به من بيت المال وغيره ، فيبحث عن الناس ، ويمكنه تحصيلهم ، والنظر في أمرهم.
والذي صار إليه مالك من أنه يجتهد الإمام ويتحرّى موضع الحاجة هو الأقوى.
وتحقيق المسألة أنّ المتحصل من أصناف الآية ثلاثة أصناف : وهم الفقراء ، والعاملون عليها ، وفي سبيل الله. وسائر الأصناف داخلة فيما ذكرناه منها.
فأما العاملون ، والمؤلفة قلوبهم فيأتى بيان حالهم إن شاء الله.
إذا ثبت هذا فإن بيان الأصناف من مهمّات الأحكام ، فنقول ـ وهي :
__________________
(١) الخلة : الفقر والحاجة.
(٢) من القرطبي.
(٣) في ل : صنف.
(٤) في ل : سوءا.