وأنّ الدار الآخرة هي المصير ، وأنّ هذه الدار الدانية قنطرة إلى الأخرى ، وباب إلى السوأى أو الحسنى عمل لها ، وقدّم ما يجده فيها ؛ فإن شكّ فيها أو تكاسل عنها وآثر عليها ـ بخل بماله ، واستعدّ لآماله ، وغفل عن مآله. وفي كتب الذكر تحقيق ذلك.
المسألة الرابعة ـ قوله تعالى : (لِلْفُقَراءِ) :
واختلف العلماء في المعنى الذي أفادت هذه اللام ؛ [فقيل :] (١) لام الأجل (٢) ؛ كقولك : هذا السّرج للدابة ، والباب للدار ؛ وبه قال مالك وأبو حنيفة.
ومنهم من قال : إنّ هذه لام التمليك ؛ كقولك : هذا المال لزيد ؛ وبه قال الشافعى.
واتفقوا على أنه لا يعطى جميعها للعاملين عليها. واعتمد أصحاب الشافعى على أنّ الله أضاف الصدقة بلام التمليك إلى مستحقّ حتى يصحّ منه الملك على وجه التشريك ؛ فكان ذلك بيانا للمستحقين. وهذا كما لو أوصى لأصناف معينين ، أو لقوم معينين.
وتعلّق علماؤنا بقوله تعالى (٣) : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ ...) الآية.
والصدقة متى أطلقت في القرآن فهي صدقة الفرض. وقال النبي صلى الله عليه وسلم : أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردّها على فقرائكم. وهذا نصّ في ذكر أحد الأصناف الثمانية قرآنا وسنّة.
وحقّق علماؤنا المعنى ، فقالوا : إن المستحقّ هو الله تعالى ، ولكنه أحال بحقه لمن ضمن لهم رزقهم بقوله (٤) : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها) ؛ فكان كما لو قال زيد لعمرو : إنّ لي حقا على خالد يماثل حقّك يا عمرو أو يخالفه ، فخذه منه مكان حقّك ؛ فإنه يكون بيانا لمصرف حقّ المستحق لا للمستحق ، والصنف الواحد في جهة المصرف والمحلية كالأصناف الثمانية.
فإن قيل : هذا يبطل بالكافر ؛ فإنه مضمون له الرزق بذلك الوعد الحق ، ثم ليس بمصرف للزكاة.
قلنا : كذلك كنّا نقول : إنه تصرف الزكاة إلى الذمّى ، إلا أنّ النبي صلى الله عليه وسلم
__________________
(١) زيادة يقتضيها الكلام.
(٢) في ل : المحل.
(٣) سورة البقرة ، آية ٢٧١.
(٤) سورة هود ، آية ٦