فإن قيل : فقد روى
البخاري وغيره في كتاب أبى بكر الصدّيق بالصدقة : ومن بلغت صدقته بنت مخاض ، وليست
عنده ، وعنده بنت لبون ، فإنها تقبل منه ، ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين.
قلنا : قد أجاب
عنه علماؤنا بأربعة أجوبة :
أحدها ـ أن هذا
خبر واحد يخالف الأصول ، وعندهم إذا خالف خبر الواحد الأصول بطل في نفسه.
الثاني ـ أنّ هذا
الحديث لم يخرج مخرج التقويم ، بدليل أنه لم يقل : ومن بلغت صدقته بنت مخاض ،
وعنده بنت لبون ، فإنها تؤخذ منه ويعطى عشرين درهما ، وإنما كان القياس أن يقول :
فإنها تؤخذ منه إذا عرفت قيمتها ، فلما عدل عن القيمة إلى التقدير والتحديد بتعيّن
الشاتين أو العشرين درهما ـ دلّ على أنه خرج مخرج العبادة.
الثالث ـ أن هذا
إنما جوز في الجيران ضرورة اختلاف السنين ، ولا ضرورة إلى إجزائه في الأصل ،
فبقى على حاله.
الرابع ـ أن كتاب
عمر في الصدقة الذي رواه مالك وعمل به في الأقطار والأمصار أولى من كتاب أبى بكر
الصدّيق الذي لم يجيء إلا من طريق واحدة. ولعله كان لقضية في عين مخصوصة.
المسألة الثالثة ـ
في معنى تسميتها صدقة : وذلك مأخوذ من الصّدق في مساواة الفعل للقول ، والاعتقاد ،
حسبما تقدم في الآية قبلها. وبناء (ص د ق) يرجع إلى تحقيق شيء بشيء وعضده به ،
ومنه صداق المرأة ؛ أى تحقيق الحل وتصديقه بإيجاب المال والنكاح على وجه مشروع.
ويختلف في ذلك كله
بتصريف الفعل ، يقال : صدق في القول صداقا وتصديقا ، وتصدقت بالمال تصدقا ، وأصدقت
المرأة إصداقا. وأرادوا باختلاف الفعل الدلالة على المعنى المختص به في الكل.
ومشابهة الصدق هاهنا للصدقة أن من أيقن من دينه أنّ البعث حق ،
__________________