هل أنتم تاركو لي صاحبي. إنّ الناس كلهم قالوا كذبت ، وقال أبو بكر : صدقت.
ومنها : أنه جعل أبا بكر في مقابلة الصحابة أجمع ، فقال : إلّا تنصروه فقد نصره الله بصاحبه في الغار ، بتأنيسه له ، وحمله على عنقه ؛ [ووفائه له] (١) بوقايته له [بنفسه] (٢) ، وبمواساته بماله ، وكذلك روى (٣) أنّ ميزانا نزل من السماء ، فوزن النبىّ صلى الله عليه وسلم بالخلق فرجحهم ، ثم وزن أبو بكر بالخلق فرجحهم ؛ وبهذه الفضائل استحقّ أن يقال فيه : لو كنت متّخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا. وسبقت له بذلك كله الفضيلة على الناس.
روى البخاري وغيره عن عبد الله بن عمر أنه قال : كنا نخيّر بين الناس في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فنخير أبا بكر ثم عمر ثم عثمان.
وروى عن مالك ، أنه قال : خير الناس بعد نبيهم أبو بكر. وسيأتى في سورة النور بيان ذلك مستوفى إن شاء الله.
المسألة الرابعة ـ وهي عظمى في الفقه من قوله تعالى : (إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا): وهو خرج بنفسه ، فارّا عن الكافرين بإلجائهم له إلى ذلك حتى فعله ؛ فنسب الفعل إليهم ، ورتّب الحكم فيه عليهم ، وذمّهم عليه ، وتوعّدهم ؛ فلهذا يقتل المكره على القتل ، ويضمن المال المكره على إتلاف المال ؛ لإلجائه القاتل والمتلف إلى القتل والإتلاف ، وكذلك شهود الزنا المزوّرون باتفاق من المذهب ، وشهود القصاص إذا شهدوا بالقتل باطلا باختلاف بين علمائنا ؛ والمسألة عسيرة المأخذ ، وقد حققناها في مسائل الخلاف.
وجملة الأمر أنّ نسبة الفعل إلى المكره لا خلاف فيه ، وكذلك تعلّق الإثم به مع القصد إليه لا خلاف فيه. فأما ما يترتّب عليه من حكم فإنّ ذلك يختلف بحسب اختلاف المحال والأسباب ، حسبما تقتضيه الأدلّة ؛ فلينظر هنالك.
المسألة الخامسة ـ وفي هذه الآية دليل على جواز الفرار من خوف العدو ، وترك الصبر على ما ينزل (٤) من بلاء الله ، وعدم الاستسلام المؤدّى إلى الآلام والهموم ، وألا يلقى بيده
__________________
(١) من م.
(٢) من م.
(٣) في ا : يروا.
(٤) في ا : على ما يرى.