إلى العدو ، توكّلا على الله ، ولو شاء ربّكم لعصمه مع كونه معهم ، ولكنها سنّة الأنبياء وسيرة الأمم ، حكم الله بها لتكون قدوة للخلق ، وأنموذجا في الرفق (١) ، وعملا بالأسباب.
المسألة السادسة ـ قالت الإمامية قبّحها الله : حزن أبى بكر في الغار مع كونه مع النبي دليل على جهله ونقصه وضعف قلبه وحيرته (٢).
أجاب على ذلك علماؤنا بثلاثة أجوبة :
الأول ـ أنّ قوله : لا تحزن ، ليس بموجب بظاهره وجود الحزن ، إنما يقتضى منعه منه في المستقبل ، فلعل النبىّ صلى الله عليه وسلم قال له ذلك زيادة في طمأنينة قلبه ؛ فإن الصدّيق قال للنبي صلى الله عليه وسلم : لو أنّ أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا. فقال له : لا تحزن إنّ الله معنا ؛ لتطمئنّ نفسه.
الثاني ـ أن الصدّيق لا ينقصه إضافة الحزن إليه ، كما لم تنقص إبراهيم حين قيل عنه(٣) : (نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً). ولم ينقص موسى قوله عنه (٤) : (فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى).
وهذان العظيمان قد وجدت عندهم التّقيّة نصّا ، وإنما هي عند الصدّيق هاهنا باحتمال.
الثالث ـ أن حزن الصديق رضى الله عنه لم يكن لشكّ وحيرة ، وإنما كان خوفا على النبي صلى الله عليه وسلم أن يصل إليه ضرر ، ولم يكن النبىّ في ذلك الوقت معصوما من الضرر ، فكيف يكون الصدّيق رضى الله عنه ضعيف القلب ، وهو لم يستخف حين مات النبي صلى الله عليه وسلم ؛ بل ظهر وقام المقام المحمود الذي تقدم ذكرنا له بقوة يقين ، ووفور علم ، وثبوت جأش ، وفصل للخطبة التي تعبى المحتالين.
الآية الرابعة والعشرون ـ قوله تعالى (٥) : (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
فيها خمس مسائل :
__________________
(١) في ل : في الدين.
(٢) في القرطبي : وخرقه والخرق : الحمق وضعف الرأى.
(٣) سورة هود ، آية ٧٠.
(٤) سورة طه ، آية ٦٧.
(٥) الآية الواحدة والأربعون.