أبا بكر بهذه الآية ، ففيها عدة فضائل مختصة لم تكن لغيره ، منها قوله : إذ يقول لصاحبه ، فحقّق له تعالى [قوله له] (١) بكلامه ، ووصف الصحبة في كتابه متلوّا إلى يوم القيامة.
ومنها قوله : (إِنَّ اللهَ مَعَنا). وفي الحديث الصحيح أن النبىّ صلى الله عليه وسلم قال لأبى بكر في الغار : يا أبا بكر ، ما ظنّك باثنين الله ثالثهما؟ وهذه مرتبة عظمى ، وفضيلة شمّاء ، لم يكن لبشر أن يخبر عن الله سبحانه أنه ثالث اثنين ، أحدهما أبو بكر ، كما أنه قال مخبرا عن النبىّ صلى الله عليه وسلم وأبى بكر ـ ثانى اثنين.
ومنها قوله : (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا). وقال مخبرا عن موسى وبنى إسرائيل (٢) : (كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ).
قال لنا أبو الفضائل المعدل (٣) : قال لنا جمال الإسلام أبو القاسم ، قال موسى : (كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ) ، وقال في محمد وصاحبه : (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا). لا جرم لما كان الله مع موسى وحده ارتدّ أصحابه بعده ، فرجع من عند ربه ، ووجدهم يعبدون العجل.
ولما قال في محمد صلى الله عليه وسلم : إن الله معنا ، بقي أبو بكر مهتديا موحّدا ، عالما عازما ، قائما بالأمر لم يتطرّق إليه اختلال.
ومنها قوله : (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ) :
فيه قولان :
أحدهما ـ على النبي. الثاني ـ على أبى بكر.
قال علماؤنا : وهو الأقوى ؛ لأنّ الصدّيق خاف على النبىّ صلى الله عليه وسلم من القوم ، فأنزل الله سكينته ؛ ليأمن على النبىّ صلى الله عليه وسلم ، فسكن جأشه ، وذهب روعه ، وحصل له الأمن ، وأنبت الله شجر ثمامة ، وألهم الوكر هنالك حمامه ، وأرسل العنكبوت فنسجت عليه بيتا ، فما أضعف هذه الجنود في ظاهر الحس ؛ وما أقواها في باطن المعنى ولهذا المعنى قال النبىّ صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح ـ لعمر حين تغامر (٤) مع أبي بكر الصديق :
__________________
(١) من م.
(٢) سورة الشعراء ، آية ٦٢.
(٣) في القرطبي : أبو الفضائل العدل.
(٤) في ا : تعاهد. والمثبت من القرطبي أيضا. ومعنى المغامرة المخاصمة.