بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) ، المعنى لا تقبلوا على الأموال إيثارا لها على الأعمال الصالحة ، ولا تركنوا إلى التجارة الحاضرة ، تقديما لها على التجارة الرابحة التي تنجيكم من العذاب الأليم ، حسما تقدم بيانه في سورة البقرة.
المسألة الخامسة ـ قوله تعالى : (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ) :
يعنى بدلا من الآخرة ، ويرد ذلك في كلام العرب نثرا ، ونظما ؛ قال الشاعر (١) :
فليت لنا من ماء زمزم شربة |
|
مبرّدة باتت على الطّهيان (٢) |
أراد ليت لنا بدلا من ماء زمزم. والطّهيان : عود ينصب في ساحة الدار للهواء ، ويعلّق عليه إناء ليلا حتى يبرد.
عاتبهم على إيثار الراحة في الدنيا على الراحة في الآخرة ؛ إذ لا تنال راحة الآخرة إلا بنصب الدنيا.
قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضى الله عنها ، وقد طافت راكبة : أجرك على قدر نصبك. وهذا لا يصدر [إلّا] (٣) عن قلب موقن (٤) بالبعث.
الآية الثانية والعشرون ـ قوله (٥) : (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً ، وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
فيها مسألتان :
المسألة الأولى ـ هذا تهديد شديد ، ووعيد مؤكد ، في ترك النّفير (٦).
ومن محققات مسائل الأصول أنّ الأمر إذا ورد فليس في وروده أكثر من اقتضاء الفعل ؛ فأما العقاب عند الترك فلا يؤخذ من نفس الأمر ، ولا يقتضيه الاقتضاء ؛ وإنما يكون العقاب (٧) بالخبر عنه ، كقوله : إن لم تفعل كذا عذّبتك بكذا ، كما ورد في هذه الآية ؛ فوجب بمقتضاها النفير للجهاد ، والخروج إلى الكفار لمقابلتهم (٨) على أن تكون كلمة الله هي العليا.
__________________
(١) هو الأحول الكندي ـ كما في اللسان ـ طها. وروى فيه أيضا :
فليت لنا من ماء حمنان شربة
(٢) في اللسان : طهيان : اسم ماء وجبل. وحمنان : مكة.
(٣) من م.
(٤) في م : مؤمن.
(٥) آية ٣٩.
(٦) في ا : اليقين.
(٧) في م : الجوب.
(٨) في م ، والقرطبي : لمقاتلتهم.