الآية الحادية والعشرون ـ قوله (١) : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ).
فيها خمس مسائل :
المسألة الأولى ـ قوله : (ما لَكُمْ) :
ما : حرف استفهام ، التقدير : أى شيء يمنعكم عن كذا؟ كما تقول : مالك عن فلان معرضا. ونظامه الصناعى ما حصل لك مانعا لكذا أو كذا. وكما تقول : مالك تقوم وتقعد؟ التقدير : أىّ شيء حصل لك مانعا من الاستقرار؟
المسألة الثانية ـ قوله : (انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) :
يقال : نفر إذا زال عن الشيء. وتصريفه نفر ينفر نفيرا ، ونفرت الدابة تنفر نفورا ، وكأن النفور في الإباية ، والنفير في الإقبال والسعاية. وقد يؤلفان على رأى من يرى تأليف المعاني المختلفة تحت اللفظ الواحد بوجه يبعد تارة ويقرب أخرى ، ويكون تأويله هاهنا : زولوا عن أرضيكم وأهليكم في سبيل الله.
المسألة الثالثة ـ في محل النفير :
لا خلاف بين العلماء أن المراد به غزوة تبوك ، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إليها في حمارّة (٢) القيظ ، وطيب الثمار ، وبرد الظلال ، فاستولى على الناس الكسل ، وغلبهم على الميل إليها الأمل ، فتقاعدوا عنه ، وتثافلوا عليه ، فوبّخهم الله على ذلك بقوله هذا ، وعاب عليهم الإيثار للدنيا على ثواب الآخرة.
المسألة الرابعة ـ قوله : (اثَّاقَلْتُمْ) :
قال المفسرون : معناه تثاقلتم ، وهذا توبيخ على ترك الجهاد ، وعتاب في التقاعد عن المبادرة إلى الخروج.
ونحو قوله : (ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) هو قوله (٣) : (وَلا تُلْقُوا
__________________
(١) الآية الثامنة والثلاثون.
(٢) حمارة القيظ : شدة الحر.
(٣) سورة البقرة ، آية ١٩٥