وأما من قال : إنه الأعمال فتصوّر فيها الزيادة والنقصان.
وقد سئل مالك : هل يزيد الإيمان وينقص؟ فقال : يزيد ، ولم يقل ينقص.
وأطلق غيره الزيادة والنقص عليه.
وتحقيق القول في ذلك أنّ العلم يزيد وينقص ، وكذلك القول ، وكذلك العمل ، والكل بأج (١) واحد وحقيقة واحدة ، لا يختلف في ذلك ولا يخرج واحد منها عنه ، وإن كانت كلها أعراضا كما بينا ؛ وذلك لأنّ الشيء لا يزيد بذاته (٢) ولا ينقص بها ، وإنما له وجود أول ، فلذلك ، الوجود أصل ، ثم إذا انضاف إليه وجود مثله وأمثاله كان ذلك زيادة فيه ، وإن عدمت تلك الزيادة فهو النقص ، وإن عدم الوجود الأول الذي يتركّب عليه المثل لم يكن زيادة ولا نقصان ؛ وقدّر ذلك في العلم أو في الحركة ، فإنّ الله سبحانه إذا خلق علما فردا ، وخلق معه مثله أو أمثاله بمعلومات مقدرة فقد زاد علمه ، فإن أعدم الله الأمثال فقد نقص ؛ أى زالت الزيادة. وكذلك لو خلق حركة وخلق معها مثلها أو أمثالها ، فإذا خلق الله للعبد العلم به من وجه وخلق له التصديق به بالقول النفسي ، أو الظاهر ، وخلق له الهدى للعمل به [وليس العمل] (٣) ، ثم خلق له مثل ذلك وأمثاله فقد زاد إيمانه.
وبهذا المعنى على أحد الأقوال فضّل الأنبياء [على] (٤) الخلق ، فإنهم علموه تعالى من وجوه أكثر من الوجوه التي علمه الخلق بها ، فمن عذيري ممن يقول : إن الأعمال تزيد وتنقص ولا تزيد المعرفة ولا تنقص ؛ لأنها عرض ، ولا يعلم أن الأعمال أعراض ، والحالة فيهما واحدة ؛ وقد صرح الله بالزيادة في الإيمان في مواضع من كتابه ، فقال (٥) : (وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً). (٦) (وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً). وقال (٧) : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً).
__________________
(١) بأج واحد : لون واحد.
(٢) في ل : بزيادته.
(٣) ليس في ل.
(٤) من ل.
(٥) سورة المدثر ، آية ٣١.
(٦) سورة مريم ، آية ٧٦.
(٧) سورة التوبة ، آية ١٢٤