ومنهم من قال : هو التصديق ؛ قاله لسان الأمة أيضا.
ومنهم من قال : هو الاعتقاد والقول والعمل ، فمن قال : إنه المعرفة منهم فقد خالف اللغة ، وتجوّز ظاهرها إلى وجه من التأويل فيها.
ومن قال : إنه التصديق فقد وافق مطلق اللغة ، لكنه قد يكون بمعنى التصديق ، وقد يكون بمعنى الأمان (١) ، قال النابغة (٢) :
والمؤمن العائذات الطير يمسحها |
|
ركبان مكة بين الغيل والسند |
وأما من قال : إنه الاعتقاد والقول والعمل فقد جمع الأقوال كلها ، وركّب تحت اللفظ مختلفات كثيرة ، ولم يبعد من طريق التحقيق في جهة الأصول ولا في جهة اللغة ؛ أما في جهة اللغة فلأن الفعل يصدق القول أو يكذّبه ؛ قال النبىّ صلى الله عليه وسلم : العينان تزنيان ، واليدان تزنيان ، والرجلان تزنيان ، والنفس تمنى وتشتهي ، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه. فإذا علم أن لا إله إلا الله وأنّ محمدا رسول الله فليتكلم بمقتضى علمه ، وإذا تكلم بما علم فليعمل بمقتضى علمه ، فيطّرد الفعل والقول والعلم ، فيقع إيمانا لغويا شرعيّا ؛ أم لغة فلأنّ العرب تجعل الفعل تصديقا ، قال تعالى (٣) : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا) ، وصدق الوعد اتصال الفعل بالقول.
فإن قيل : هذا مجاز. قلنا : هذه حقيقة ، وقد بيّناه في كتب الأصول ، وعلى هذا المعنى جاء قوله (٤) : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ). وعلى ضده جاء قوله صلى الله عليه وسلم : من ترك الصلاة فقد كفر.
إذا ثبت هذا فاختلفوا أيضا في الزيادة فيهما والنقصان كما بيناه في موضعه ـ وهي :
المسألة السادسة ـ فأما من قال : إنه المعرفة أو التصديق بالقلب فأبعد الزيادة فيه والنقصان ؛ لأنها أعراض ؛ وزعموا أن الزيادة أو النقص لا يتصوّر في الأعراض ، وإنما يتأتى في الأجسام.
__________________
(١) في ل : الإيمان.
(٢) ديوانه : ٣٠.
(٣) سورة مريم ، آية ٥٤.
(٤) سورة البقرة ، آية ١٤٣.