فإذا أراد أن يحلّ شيئا منها لغنيمة أو لغارة أحلّ المحرم ، وحرّم مكانه صفر ، وفي ذلك يقول عمير بن قيس بن جذل الطعان (١) :
لقد علمت معدّ أنّ قومي |
|
كرام الناس أنّ لهم كراما |
فأى الناس فاتونا بوتر |
|
وأىّ الناس لم تعلك لجاما |
ألسنا الناسئين على معدّ |
|
شهور الحلّ نجعلها حراما |
وقد تقدم غير هذا بزيادة عليه في المسألة قبلها.
المسألة الرابعة ـ وقد قدمنا أنّ الإنساء كان عند العرب زيادة وتأخيرا وتبديلا ، وأقله صحة الزيادة ، لقوله : (لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ) ، فإنما ذكر الله في الإنساء ما كان تبديلا [أو تأخيرا] (٢) ، وأقلّه الزيادة.
والمواطأة هي الموافقة ، تقول العرب : واطأتك على الأمر ؛ أى وافقتك عليه ، فكانوا يحفظون عدة الأشهر الحرم التي هي أربعة ، لكنهم يبدّلون ويؤخّرون ويزعمون أنّ المواطأة على العدة تكفى ، وإن خالفت في أعيان الأشهر المحرمات.
ويحتمل أن يكون الإنساء عندهم بالثلاثة الأوجه ، فذكر الله منها الوجهين ، ولم يذكر الزيادة ، وعظم التبديل والتأخير ، وإن وقعت الموافقة في العدد ، فكان تنبيها على أن المخالفة في وجه أزيد في الكفر وأعظم في الإثم.
المسألة الخامسة ـ قوله تعالى : (زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ) :
قد بينا الكفر وحقيقته ، وذكرنا أنه راجع إلى الإنكار ، فمن أنكر شيئا من الشريعة فهو كافر ؛ ولأنه مكدّب لله ولرسوله ، والزيادة [فيه] (٣) والنقصان منه حقّ وصدق ، [وكذلك الزيادة في الإيمان والنقصان منه حق وصدق] (٤) ، وبيّنا حقيقة الإيمان والكفر واختلاف الناس فيهما والحقّ من ذلك في كتب الأصول على وجه مستوفى ؛ لبابه أن أهل لسنّة اختلفوا في الإيمان ؛ فمنهم من قال : هو المعرفة ـ قاله شيخ السنة ، واختاره لسان الأمة في مواضع.
__________________
(١) في القرطبي : قائل البيت الثالث هو الكميت. وفي ا : يقول عمر بن قيس. والمثبت في اللسان ـ مادة نسأ.
(٢) من ل.
(٣) من ل.
(٤) من ل.