أما بعد ، أيها الناس ، فإنّ الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم ، ولكنه إن يطع فيما سوى ذلك مما تحقرون من أعمالكم فقد رضى به ، فاحذروه ـ أيها الناس ـ على دينكم ، وإن النسيء زيادة في الكفر يضلّ به الذين كفروا ـ إلى قوله ـ ما حرم الله. وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السموات والأرض ، وإن عدّة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا ، منها أربعة حرم ؛ ثلاث متواليات ، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان ... وذكر سائر الحديث.
المسألة الثالثة ـ في أول من أنسأ :
في ذلك كلام طويل لبابه ، عن ابن شهاب وغيره ، أنّ حيّا من بنى كنانة ، ثم من بنى فقيم منهم رجل يقال له القلمّس ، واسمه (١) حذيفة بن عبيد بن فقيم بن عدى بن عامر بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة بن خزيمة (٢) ، وكان ملكا ، فكان يحلّ المحرم عاما ويحرمه عاما ، فكان إذا حرّمه كانت ثلاثة حرم متواليات ، وهي العدة التي حرم الله في عهد إبراهيم ، فإذا أحلّه أدخل مكانه صفر ، ليواطئ العدة ، يقول : قد أكملت الأربعة كما كانت ، لأنى لم أحلّ شهرا إلا حرمت مكانه آخر ، وكانت العرب كذلك ممن كانت تدين بدين القلمّس ، فكان يخطب بعرفة فيقول : اللهم إنى لا أعاب ولا أجاب ، ولا مردّ لما قضيت ، اللهم إنى قد أحللت دماء المحلين من طيّئ وخثعم ، فمن لقيهما فليقتلهما ، فرجع الناس وقد أخذوا بقوله.
وإنما أحلّ دماء طيّئ وخثعم ، لأنهم كانوا لا يحجّون مع العرب ، ولا يحرّمون الحرم ، وكانوا يستحلّونها ، وكان سائر العرب يحرّمون الحرم. ثم كان ابنه على الناس كما كان القلمس ، واسمه عباد ، ثم ابنه أقلع ، ثم ابنه أمية بن أقلع بن عباد ، ثم ابنه عوف بن أمية ، ثم ابنه جنادة بن عوف كما تقدّم ، فحجّ نبىّ الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع ، وجنادة صاحب ذلك حتى بعث الله نبيه ، وأكمل الحرم ثلاثة متواليات ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان.
وفي رواية : العرب كانت إذا فرغت من حجّها اجتمعت إليه فحرّم الأشهر الحرم ،
__________________
(١) في ا : وابنه.
(٢) في ل : جذيمة.