المسألة السابعة ـ قوله تعالى : (فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) :
فيه قولان :
أحدهما ـ لا تظلموا أنفسكم في الشهور كلها.
وقيل في الثاني ـ المراد بذلك الأشهر الحرام.
واختلف في المراد بالظلم على قولين أيضا :
أحدهما ـ لا تظلموا فيهن أنفسكم بتحليلهنّ. وقيل : بارتكاب الذنوب فيهنّ ؛ فإن الله إذا عظّم شيئا من جهة صارت له حرمة واحدة ، وإذا عظّمه من جهتين أو من جهات صارت حرمته متعددة بعدد جهات التحريم ، ويتضاعف العقاب بالعمل السوء (١) فيها ، كما ضاعف الثواب بالعمل الصالح فيها ؛ فإنّ من أطاع الله في الشهر الحرام في البلد الحرام والمسجد (٢) الحرام ليس كمن أطاعه في شهر حلال في بلد حلال في بقعة حلال. وكذلك العصيان والعذاب مثله في الموضعين والحالين والصفتين ؛ وذلك كلّه بحكم الله وحكمته. وقد أشار تعالى إلى ذلك بقوله (٣) : (يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) ، لعظمهن (٤) وشرفهنّ في أحد القولين.
المسألة الثامنة ـ فإن قيل : وكيف جعل بعض الأزمنة أعظم حرمة من بعض؟
قلنا : عنه جوابان :
أحدهما ـ إنّ الباري تعالى يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد ، ليس عليه حجر ، ولا لعمله علّة ؛ بل كل ذلك بحكمة ، وقد يظهر للخلق وجه الحكمة فيه ، وقد يخفى.
الثاني ـ أنّ معنى ذلك أنّ النفس مجبولة على اقتضاء الشهوات ، فلما وجبت (٥) عليه تكليف المحرمات جعل بعضها أغلظ من بعض ، ليعتاد بكفّها عن الأخفّ الكفّ عن الأغلظ ، ويجعل بعض الأزمنة والأمكنة أعظم حرمة من بعض ؛ ليعتاد في الخفيف الامتثال ، فيسهل عليه في الغليظ. والله أعلم.
__________________
(١) في ا : العمل الصالح فيما كان ـ وهو تحريف ، وفي القرطبي (٨ ـ ١٣٤) بالعمل السيئ.
(٢) في ل : واليوم.
(٣) سورة الأحزاب ، آية ٣٠.
(٤) في ل : لفضلهن.
(٥) في ل : وجهت.